1. الرئيسية
  2. شرح مشكل الآثار
  3. باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أتبع على مليء فليتبع
صفحة جزء
[ ص: 176 ] 434 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أتبع على مليء فليتبع .

2752 - حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، قال : أنبأنا عبد الله بن وهب أن مالكا حدثه ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : مطل الغني ظلم ، ومن أتبع على مليء فليتبع .

[ ص: 177 ]

2753 - وحدثنا أبو أمية ، قال : حدثنا عبيد الله بن موسى ، قال : أنبأنا سفيان ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أتبع على مليء فليتبع .

[ ص: 178 ]

2754 - حدثنا يزيد بن سنان ، قال : حدثنا الحسن بن علي الواسطي ، قال : حدثنا هشيم بن بشير ، عن يونس ، عن نافع ، عن ابن عمر رضي الله عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : مطل الغني ظلم ، وإن أحلت على مليء فاتبع .

2755 - وحدثنا أبو أمية ، قال : حدثنا معلى بن منصور ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا يونس بن عبيد ، قال : أخبرنا نافع ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا أحلت على مليء فاتبعه .

فتأملنا ما روي في هذا الباب من حديث أبي هريرة الذي بدأنا بذكره فيه ، فوجدنا الذي فيه : من أتبع على مليء فليتبع ، فأشكل علينا المراد بذلك الإتباع ما هو ، فأوضحه لنا ما في حديث ابن عمر الذي ثنينا بذكرنا إياه في هذا الباب : إذا أحلت على مليء فاتبعه .

فعقلنا بذلك أنه إنما أراد بذلك الإتباع الإحالة بما له من الدين على من [ ص: 179 ] يحال به عليه من الأغنياء ، غير أنا وجدنا يحيى بن معين قد تكلم في حديث ابن عمر هذا ، وذكر أن يونس بن عبيد لم يسمع من نافع .

كما حدثنا ابن أبي داود قال : قال لي يحيى بن معين في حديث يونس بن عبيد عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما : مطل الغني ظلم ، قال يحيى : قد سمعته عن هشيم ، ولم يسمعه يونس من نافع ، قال لنا ابن أبي داود : قلت ليحيى : لم يسمع يونس من نافع شيئا ؟ قال : بلى ، ولكن هذا الحديث خاصة لم يسمعه يونس من نافع .

قال : فتأملنا ما قاله يحيى في ذلك فوجدناه جوابا لما سأله ابن أبي داود عنه من : مطل الغني ظلم ، فأجابه يحيى عنه بما أجابه عنه فيه ، ثم وجدنا في حديث معلى وهو النهاية في الثبت ، عن هشيم في هذا الحديث قال : أنبأنا يونس بن عبيد ، قال : حدثنا نافع ، عن ابن عمر رضي الله عنهما كما قد ذكرناه عن أبي أمية في هذا الباب .

فعقلنا بذلك أن الذي أراده يحيى مما نفى سماع يونس إياه من نافع هو : مطل الغني ظلم ، لا ما فيه سوى ذلك من قوله : إذا أحلت على مليء فاتبعه ، والله أعلم بحقيقة الأمر في ذلك .

ثم طلبنا ما في هذا الحديث من الفقه فوجدنا أهل العلم جميعا يذهبون في الحوالة إلى أنها تحويل ما كان للمحتال على المحيل إلى المحتال عليه ، لا يختلفون في ذلك ، غير زفر والقاسم بن معن فإنهما كانا يقولان : إن الحوالة كالكفالة وكالضمان وكالحمالة ، وأن [ ص: 180 ] للمحتال أن يطالب كل واحد من محيله ومن المحتال عليه بما له ، وكان في قول النبي صلى الله عليه وسلم : من أحيل على مليء فليتبع ، ما قد دفع ذلك إليه ؛ ولأنه موجود في اللغة من قول الناس : لي على فلان كذا ، وفلان كفيل لي به ، أو ضمين لي به ، أو حميل لي به ، فيكون في ذلك ذكره أن الشيء الذي له على الذي كان له عليه أصله ، كما كان له عليه قبل الضمان ، وقبل الحمالة ، وقبل الكفالة ، ولم نجدهم يقولون : لي على فلان كذا ، وفلان حويل لي به ، ولا لي على فلان كذا ، فأحالني به على فلان ، إنما يقولون : كان لي على فلان كذا ، فأحالني به على فلان ، فدل ذلك أن الحوالة معها تحويل المال عن من كان عليه إلى من أحال به عليه ، وأن الكفالة والحمالة والضمان بخلاف ذلك .

ثم وجدنا أهل العلم يختلفون في هذه الحوالة بم تكون ؟ فطائفة منهم تقول : هي بالحوالة على من يحال عليه كان عليه مثل ذلك المال أو لم يكن ، وممن قال ذلك : أبو حنيفة وأصحابه والشافعي ، وطائفة منهم تقول : لا تكون الحوالة إلا بدين مثلها للمحيل على المحتال عليه ، وممن قال : ذلك مالك بن أنس ، ولم نجد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم تفريقا بين حوالة بمال للمحيل على المحتال عليه مثله ، وبين حوالة لا شيء معها للمحيل على المحتال عليه ، فلم يجز أن نفرق بين ما قد جمع النبي صلى الله عليه وسلم بينه إلا بتفريق منه صلى الله عليه وسلم بين ذلك .

ثم وجدناهم يختلفون في الحوالة على من لا يعلم المحتال بفقره ، وقد أحيل عليه على أنه مليء ، فتقول طائفة منهم : له أن يرجع بماله [ ص: 181 ] على المحيل وتبطل الحوالة منهم مالك وتقول الطائفة الأخرى منهم : ليس له أن ينقض الحوالة ، والحوالة كما هي ، وممن قال بذلك أبو حنيفة ، غير أن أبا يوسف ومحمدا قد قالا : إذا قضى القاضي بتفليسه ، عاد المحتال بالمال على المحيل ؛ فكان ما قاله مالك رحمه الله في ذلك أحسن مما قاله أبو حنيفة والشافعي رحمهما الله فيه ، وكان ما قاله أبو يوسف ومحمد في ذلك قريبا مما قاله مالك فيه .

ثم وجدناهم يختلفون في توى المال على المحتال عليه بموته معدما ، فتقول طائفة منهم : يرجع المحتال بما له على المحيل ، وممن قال بذلك أبو حنيفة - رحمه الله - وأصحابه ، وتقول طائفة منهم : لا يرجع المحتال على المحيل ، والتوى من ماله قط ، وممن يقول ذلك مالك والشافعي رحمهما الله .

فتأملنا ذلك لنعلم ما القول فيه ، فوجدنا الحوالة فيها تعويض المحتال من ذمة المحيل ذمة المحتال عليه ، فصار ذلك في معنى بيع ذمة بذمة ، وكان مثل ذلك تعويض الذي عليه المال من ماله الذي له عليه عبدا يبيعه إياه به ، فيكون ماله قد تحول من ذمة الذي كان عليه إلى العبد المبيع به فصار فيه .

ثم وجدنا العبد يموت بعد ذلك فيكون موته من مال بائعه ، ويرجع المال الذي كان له على الذي كان عليه ، فكان مثل ذلك توى ذمة المحتال عليه ، يرجع بذلك المال الذي كان فيها إلى الذمة التي أعطيت عوضا بها .

فإن قال قائل : فإن مذهب مالك رحمه الله في العبد المبيع إذا مات في يد بائعه أن يموت من مال مبتاعه ، وإن لم يقبضه .

[ ص: 182 ] قيل له : فمن قوله في الطعام المبيع كيلا إذا توى في يد بائعه أنه يتوى من ماله لا من مال مبتاعه ، ولا فرق في القياس بين هذا وبين ما قبله ، وفيما ذكرنا دليل على ما وصفنا ، والله عز وجل نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية