[ ص: 441 ] 543 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله : اللهم إن فلانا هجاني وهو يعلم أني لست بشاعر فأهجوه ، فالعنه عدد ما هجاني ، أو مكان ما هجاني
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14695أبو جعفر : قد ذكرنا هذا الحديث بإسناده فيما تقدم منا في كتابنا هذا ، فقال قائل : في هذا الحديث ما قد دل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كان شاعرا لهجا ذلك الشاعر كما هجاه ، فكيف جاز لكم أن تقبلوا هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخلاقه التي تروونها عنه تدل على خلاف ذلك مما كان عليه ، فمما ذكر في ذلك .
3370 - ما قد حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12391إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17081مسلم بن إبراهيم الأزدي ، قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16013سلام بن مسكين ، قال : حدثنا
عقيل بن طلحة ، عن
أبي جري الهجيمي ، قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=700561يا أبا جري ، لا تحقرن من المعروف شيئا ، ولو أن تصب من دلوك في دلو المستسقي ، وأن تلقى أخاك ووجهك إليه منبسط ، وإياك وإسبال الإزار ، فإنه من [ ص: 442 ] المخيلة ، والله لا يحب الخيلاء ، قلت : يا رسول الله ، الرجل يسبني بما في ، أسبه بما فيه ؟ قال : لا ، فإن أجر ذلك لك ، وإثمه ووباله عليه .
فكان في هذا الحديث أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصفح ، وترك السباب لمن سب ، والشعر من أكبر السب ، فمن أين جاز لكم أن ترووا عنه صلى الله عليه وسلم ما يخالف هذه الأخلاق ؟
فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه : أن الذي توهمه في الحديث الأول ليس هو كما توهمه فيه ؛ لأن الذي فيه من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن فلانا هجاني وهو يعلم أني لست بشاعر فأهجوه ، إنما وجه ذلك عندنا - والله أعلم - على نفي الشعر عنه ؛ لأن رتبته صلى الله عليه وسلم أجل من رتب الشعراء وهي أعلى رتب النبوة وتبليغ الرسالة عن الله عز وجل ، ولما كانت تلك منزلته في الرفعة ، وكان من هجاه منزلته المنزلة الوضيعة ، إذ كان من أهل السباب ، وكانوا مع ذلك إنما يهاجون إذا هجوا أكفاءهم ، فأما من سوى أكفائهم فإنهم لم يكونوا يهاجونهم ، فكانوا يرفعون أنفسهم عن ذلك ، ومن ذلك هجاء
حسان بن ثابت لأبي [ ص: 443 ] سفيان بن الحارث لما هجا رسول الله صلى الله عليه وسلم .
كما حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=14976يوسف بن يزيد ، قال : حدثنا
يعقوب بن إسحاق بن أبي عباد ، قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=14429مسلم بن خالد ، عن
محمد بن السائب بن بركة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=18107أمه ، قالت :
كنت عند nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة في نسوة ، فذكر عندها حسان بن ثابت ، فوقعن فسببنه ، فقالت nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة : لا تسبوه ، فقد أصابه ما قال الله عز وجل ، قد عمي ، والله إني لأرجو أن يدخله الله عز وجل الجنة بكلمات قالهن في محمد صلى الله عليه وسلم حين يقول لأبي سفيان بن الحارث :
هجوت محمدا فأجبت عنه وعند الله في ذاك الجزاء فإن أبي ووالده وعرضي
لعرض محمد منكم وقاء أتهجوه ولست له بكفء
فشركما لخيركما الفداء
[ ص: 444 ] قال
nindex.php?page=showalam&ids=14695أبو جعفر : ولما كان الأمر كما ذكرنا ، والمهاجاة من أهل الشرف إنما تكون منهم لأكفائهم لا لمن ليس كذلك ، كان قول رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ذكرناه عنه في الحديث الذي ذكرنا في صدر هذا الباب لهذا المعنى ، وإعلاما منه الناس : أن الذي هجاه ليس بكفء له ، فيحتاج إلى أن يهجوه لو كان شاعرا ، ثم أتبع ما كان منه من هجائه إياه بسؤاله الله عز وجل أن يلعنه :
ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا ، والله عز وجل نسأله التوفيق .