1. الرئيسية
  2. شرح مشكل الآثار
  3. باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغيل من كراهة له
صفحة جزء
[ ص: 284 ] 576 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغيل من كراهة له ، ومن هم بنهي عنه ، ومن نهي عنه ، ومما سوى ذلك مما كان منه فيه

3658 - حدثنا الربيع بن سليمان المرادي ، قال : حدثنا أسد بن موسى ، قال : حدثنا إسماعيل بن عياش ، عن عمرو بن مهاجر ، عن أبيه ، عن أسماء ابنة يزيد بن السكن الأنصارية قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا تقتلوا أولادكم سرا ، فإن الغيل يدرك الفارس على ظهر فرسه .

3659 - حدثنا فهد ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا ابن أبي غنية ، عن عبد الملك بن حميد ، عن محمد بن مهاجر الأنصاري ، عن أبيه ، عن أسماء ابنة يزيد الأنصارية ، قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 285 ] يقول : لا تقتلوا أولادكم سرا ، فإن قتل الغيل يدرك الفارس ، فيدعثره عن ظهر فرسه .

قال أبو جعفر : فتأملنا هذين الحديثين فوجدنا فيهما من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته : لا تقتلوا أولادكم سرا . ثم ذكر المعنى الذي ذكره فيهما فكان ذلك على التحذير منه إياهم ذلك ، وإعلامه إياهم أنه قد يكون منه دعثرة الفارس عن فرسه ، وكان ذلك منه صلى الله عليه وسلم - والله أعلم - على ما كانت العرب تقوله فيه ، فحذر من ذلك وإن كان لم [ ص: 286 ] ينزل عليه فيه من الله عز وجل تصديق لها ولا تكذيب لها فيما كانت تقوله من ذلك على الإشفاق على أولادهم ، لا على ما سوى ذلك من تحريم منه عليهم ما يكون سببا لذلك الغيل المخوف على أولادهم .

3660 - كما حدثنا بكار بن قتيبة ، قال : حدثنا أبو عامر العقدي ، وحدثنا يزيد بن سنان ، قال : حدثنا مؤمل بن إسماعيل ، وكما حدثنا فهد بن سليمان ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قالوا : أخبرنا سفيان الثوري ، قال : حدثنا الركين بن الربيع ، عن القاسم بن حسان ، عن عمه عبد الرحمن بن حرملة ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره عشرا : الصفرة ، وتغيير الشيب ، والتختم بالذهب ، وجر الإزار ، والتبرج بالزينة لغير محلها ، والضرب بالكعاب ، وعزل الماء عن محله ، وفساد الصبي غير محرمه ، وعقد التمائم والرقى إلا بالمعوذات .

[ ص: 287 ]

3661 - وكما حدثنا يزيد بن سنان ، قال : حدثنا الحسن بن عمر بن شقيق ، قال : حدثنا جرير بن عبد الحميد ، عن الركين بن الربيع بن عميلة الفزاري ، ثم ذكر بإسناده مثله .

3662 - وكما حدثنا أحمد بن شعيب ، قال : أخبرنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا المعتمر بن سليمان ، قال : سمعت الركين [ ص: 288 ] يحدث ، ثم ذكر بإسناده مثله .

وفي هذا الحديث كراهة رسول الله صلى الله عليه وسلم لفساد الصبي وهو بالغيل الذي ذكرنا غير محرمه ، فدل ذلك أن كراهيته صلى الله عليه وسلم لما كره من ذلك ، كان كراهية لا تحريم معها .

فإن قال قائل : فقد روي عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم نهيه عنه .

3663 - فذكر ما قد حدثنا روح بن الفرج ، قال : حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير ، قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن عطاء ، عن ابن عباس رضي الله عنهما : أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الاغتيال . ثم قال لو ضر أحدا لضر فارس والروم .

فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل : أن النهي قد يكون للكراهة بلا نهي معها ، كما نهى صلى الله عليه وسلم عن الشرب قائما ، لا لأنه حرم ذلك ، ولكنه لما خاف من ضرره على من يفعله . وقد ذكرنا ما روي [ ص: 289 ] في ذلك فيما تقدم منا من كتابنا هذا .

والدليل على أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن نهيه عن الغيل نهي تحريم .

3664 - ما قد حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، أن مالكا أخبره ، عن محمد بن عبد الرحمن بن نوفل ، عن عروة ، عن عائشة ، عن جذامة ابنة وهب : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لقد هممت أن أنهى عن الغيلة حتى ذكرت أن فارس والروم يصنعون ذلك فلا يضر أولادهم .

3665 - وما قد حدثنا محمد بن علي بن زيد المكي ، قال : حدثنا القعنبي ، قال : حدثنا مالك ، ثم ذكر بإسناده مثله غير أنه لم يذكر في حديثه جذامة ، وأوقفه على عائشة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم .

3666 - وما قد حدثنا بكار بن قتيبة ، قال : حدثنا إبراهيم بن أبي الوزير ( ح ) [ ص: 290 ] وما قد حدثنا محمد بن خزيمة ، قال : حدثنا أبو مسهر ، قالا : حدثنا مالك بن أنس ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن عروة ، عن عائشة ، عن جذامة ابنة وهب ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله .

3667 - وما قد حدثنا علي بن معبد ، قال : حدثنا يحيى بن إسحاق السيلحيني ، قال : حدثنا يحيى بن أيوب ، عن محمد بن عبد الرحمن بن نوفل ، عن عروة ، عن عائشة ، عن جذامة ابنة وهب الأسدية ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله .

3668 - وما قد حدثنا أحمد بن أبي داود ، قال : حدثنا سعيد بن أبي مريم ، قال : أخبرنا يحيى بن أيوب ، قال : حدثني أبو الأسود محمد بن عبد الرحمن ، قال : حدثنا عروة ، عن عائشة ، عن جذامة ، ثم ذكر بإسناده مثله .

3669 - وما قد حدثنا الربيع بن سليمان الأزدي ، قال : حدثنا أبو زرعة ، قال : أخبرنا حيوة ، عن أبي الأسود ، أنه سمع عروة ، يحدث عن عائشة ، عن جذامة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله .

[ ص: 291 ]

3670 - وما قد حدثنا صالح بن عبد الرحمن الأنصاري ، وإبراهيم بن محمد بن يونس البصري ، قالا : حدثنا المقرئ ، قال : حدثنا سعيد بن أبي أيوب ، عن أبي الأسود ، عن عروة ، عن عائشة ، قالت : حدثتني جذامة ، ثم ذكرا مثله .

فكان في هذا الحديث ما قد دل على إطلاقه صلى الله عليه وسلم لأمته ما كان حذرهم إياهم لما وقف على أن ذلك لا يضر فارس والروم في أولادهم ، وقد كانت بقيت بقية منه في صدور العرب ، حتى روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في ذلك .

ما قد حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا وهب بن جرير ، قال : حدثنا شعبة ، عن سماك بن حرب ، عن عطية بن جبير ، عن أبيه ، قال : مات ذو قرابة لي ، وترك ابنا له ، فأرضعته امرأتي ، فحلفت أن لا أقربها حتى تفطم الصبي ، فلما مضت أربعة أشهر ، قيل لي : قد بانت منك امرأتك ، فسألت عليا رضي الله عنه ، فقال : إن كنت حلفت على بصيرة ، فقد بانت منك امرأتك ، وإلا فهي امرأتك .

[ ص: 292 ] وقد كان مالك بن أنس ذهب إلى هذا المعنى ، فسئل عن رجل ترك امرأته وهي ترضع حتى تفطم ولدها ، فأبت ذلك عليه ، وطلبت منه وطأه إياها ، فقال : لا أرى لها في ذلك حجة ، ولا يكره على ذلك ، كانت فيه يمين أو لم تكن ، وأرى قول علي في ذلك يعجبني ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : لقد هممت أن أنهى عن الغيلة ، فقال مالك : وهو أن يطأ الرجل امرأته وهي ترضع ، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم هم بذلك حتى ذكر أن فارس والروم يفعلونه ، فكف عنه ، فليس هذا مما يقضى لها به ، ولا يجبر عليه ، وإنما ذلك ما كان على وجه الإضرار ، وليس هذا مضارا إنما يريد استصلاح ولده ، فلا أرى لها في ذلك قولا ، ولا يكره في ذلك على وطئه إياها . ذكر ذلك عنه عبد الرحمن بن القاسم في سماعه منه .

وقد خالف ذلك آخرون ، منهم : أبو حنيفة وأصحابه ، فجعلوه في ذلك مؤليا منها ، إن حلف ألا يقربها حتى تفطم ولدها إذا كان بينه وبين تمام الحولين أربعة أشهر فصاعدا ، ذكر لنا ابن أبي عمران عن ابن سماعة ، عن محمد بن الحسن بغير خلاف ذكره فيه بينه وبين أصحابه ، وهذا القول عندنا أولى القولين ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحرم الرضاع في الجماع ، وإنما كرهه إشفاقا ، ثم أطلقه ، فكان الممتنع منه لزوجته كالممتنع من مثله في غير حال الرضاع .

وقد زعم زاعم - وهو الليث بن سعد - أن قوما يقولون : إن الغيل جماع الحامل لا جماع المرضع ، ذكر ذلك زيد بن بشر ، عن ابن وهب ، عنه ، فأما مالك ، فكان مذهبه فيه : أنه جماع المرضع .

[ ص: 293 ] كما حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، عن مالك ،

وكما حدثنا محمد بن علي بن زيد المكي ، قال : حدثنا القعنبي ، عن مالك .

وكان ما قال مالك في هذا أولى عندنا مما قاله الليث فيه ; لأنه عند العرب مما قد ذكرته في أشعارها ، ومما قد فخرت به نساؤها .

فأجاز لنا علي بن عبد العزيز ، عن أبي عبيد ، قال : قال أبو عبيدة واليزيدي والأصمعي وغيرهم : الغيل : أن يجامع امرأته وهي مرضع ، قال : والعرب تقول للرجل تمدحه : ما حملته أمه وضعا - ومنهم من يقول : تضعا - ولا أرضعته غيلا ، ولا وضعته يتنا ، ولا أباتته مئقا ، فقولهم : ما حملته وضعا ، يريد : ما حملته على حيض ، وقولهم : ولا أرضعته غيلا ، يعنون : أن توطأ وهي مرضع ، ولا وضعته يتنا ، يعنون : أن يخرج رجلاه قبل يديه في الولادة ، يقال منه : موتن للمرأة التي ولدته كذلك ، وللولد : موتن ، وقولهم : ولا أباتته مئقا ، وبعضهم يقول : ولا أباتته على مأقة ، فإنه شدة البكاء . فدل ذلك في الغيل على ما قاله مالك فيه .

وقد روي فيما كان من النبي صلى الله عليه وسلم في إباحته وطء المرضع .

3671 - ما قد حدثنا ابن أبي داود ، قال : حدثنا ابن أبي مريم ، قال : أخبرنا يحيى بن أيوب ، قال : أخبرني عياش بن عباس ، قال : أخبرني أبو النضر ، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص ، [ ص: 294 ] أن أسامة بن زيد أخبر والده سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ، أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : إني أعزل عن امرأتي . قال : لم ؟ قال : أشفق على الولد . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن كان لذلك فلا ، ما كان ضارا فارس والروم .

قال أبو عبيد فيما أجازه لنا علي : فأما قوله : يعني النبي صلى الله عليه وسلم : إنه ليدرك الفارس فيدعثره ، يقول : يهزمه ويطحطحه بعدما صار رجلا قد ركب الخيل ، والله عز وجل نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية