[ ص: 233 ] 681 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما استدل به غير واحد من أهل العلم على جواز بيع الرجل عبده من رجل على أن يعتقه
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14695أبو جعفر : قد روينا فيما تقدم منا في أبواب مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمور
بريرة قوله
لعائشة رضي الله عنها : " اشتريها فأعتقيها " ، فاستدل بعض الناس بذلك على أن ابتياع
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة كان إياها من أهلها بأمر النبي صلى الله عليه وسلم إياها بذلك على أن تعتقها ، فجعل هذا أصلا ، وأجاز به ابتياع المماليك بهذا الشرط ، وأخرجه عن أحكام البياعات بالشروط سواه ، مثل أن يشتري على أن يبيعه ، أو على أن لا يبيعه ، أو ما أشبه ذلك ، فجعل البيع إذا وقع كذلك فاسدا .
فتأملنا ما ذكر أنه استدل به على ما ذهب إليه مما ذكرناه عنه ، فلم نجده يدل على ذلك ، لأن ما ذكره عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله
لعائشة : " اشتريها فأعتقيها " ليس فيه دليل على اشتراط أهلها الذين باعوها ذلك عليها في بيعهم إياها منها ، وإنما هو مشورة منه عليها بذلك على أن تفعله ابتداء ، وقد ذكرنا في تلك الأبواب أن
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله عنها إنما كانت قالت
لبريرة لما سألتها أن تعينها بعد إعلامها إياها ما كانت فيه من المكاتبة التي كان أهلها كاتبوها عليها من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري عن
[ ص: 234 ] عروة عنها ، ومن حديثي
nindex.php?page=showalam&ids=16700عمرو بن الحارث والليث بن سعد عن
nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله عنها :
إن أراد أهلك أن أصبها لهم - أي : أأديها لهم - عنك صبة واحدة على أن يكون ولاؤك لي فعلت . وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
لعائشة بعد إباء موالي
بريرة ذلك : " ابتاعي وأعتقي ، فإنما الولاء لمن أعتق " .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14695أبو جعفر : فكان في هذا الحديث أن الأمر بالابتياع والعتاق كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم ابتداء ، وليس في ذلك اشتراط من أهل
بريرة ولاءها .
وقد ذكرنا في حديث
مالك وجرير عن
هشام ، عن
عروة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " اشترطي الولاء لهم " ، ووافق
هشاما على هذا
يزيد بن رومان ، فرواه عن
عروة كذلك ، وقد تأول الناس ذلك على ما تأولوه عليه مما قد ذكرناه فيما تقدم منا في هذه الأبواب .
ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي عن
مالك ، عن
هشام ، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم
لعائشة : " فأشرطي " ، ومعناه خلاف معنى : " واشترطي " ، وقد ذكرناه هناك ، وليس في هذا أيضا اشتراط من أهل
بريرة في بيعهم إياها من
[ ص: 235 ] nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة عليها أن تعتقها في بيعهم إياها ، إنما فيه اشتراطهم ولاءها عليها في عتاق
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة إياها بعد ابتياعها إياها ، ومعقول أنها إذا كانت تعتقها عن نفسها لا بواجب عليها أن ذلك العتاق لم يكن باشتراط من بائع
بريرة عليها إياه في بيعها إياها منه . وفي هذا الحديث دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم موالي
بريرة عن ذلك ، وتركه إطلاقه لهم .
وإذا كان الذي كان منهم مما قد أنكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأعلمهم في وعيده إياهم أنه خارج من شريعته ، بقوله : " كل شرط ليس في كتاب الله عز وجل فهو باطل ، وإن كان مائة شرط " ، وكتاب الله تعالى هو شريعته . ولو كان الذي كان منهم من اشتراط عتاقها على
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة جائزا باقيا حكمه بعده إذا لما أنكره عليهم ، ولا توعدهم عليه ، ولكان إلى حمده إياهم على ذلك أقرب منه إلى ذمه إياهم عليه . وفيما ذكرنا من ذلك ما قد دل على أن الذي كان من أهل
بريرة في ذلك هو اشتراط ولائها في عتاق
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة ، لا اشتراط منهم عليها أن تعتقها عن نفسها عتاقا واجبا عليها بشرطهم إياه عليها في بيعهم إياها منها .
وقد روينا عن
nindex.php?page=showalam&ids=12عبد الله بن عمر وقوفه على ما كان من
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة في
بريرة ، وما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يخالف ما طلب أهلها من
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة أن يجري ما كان منها فيها عليه فيما تقدم منا في كتابنا في تلك الأبواب ، وروينا عنه فيها قوله بعد النبي صلى الله عليه وسلم : "
إنه لا يحل فرج إلا فرج إن شاء صاحبه وهبه ، وإن شاء أمسكه ، ولا شرط عليه فيه " . والمبيعة على أن يعتقها مشتريها ليست كذلك ، لأن البيع إذا كان على أن يعتقها لزمه عتاقها ولم يكن له إمساكها ، وكذلك نفي ما ظنه هؤلاء
[ ص: 236 ] المتأولون ذلك المعنى في حديث
بريرة على ما تأولوه عليه .
وقد روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما يوافق ذلك أيضا .
كما قد حدثنا
مبشر بن الحسن بن مبشر البصري ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=14797أبو عامر العقدي ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16102شعبة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14865خالد بن سلمة قال : سمعت
محمد بن عمرو بن الحارث يحدث عن
nindex.php?page=showalam&ids=19196زينب امرأة عبد الله بن مسعود أنها باعت عبد الله جارية واشترطت خدمتها ، فذكر ذلك nindex.php?page=showalam&ids=2لعمر ، فقال : لا تشتريها ولأحد فيها مثنوية .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14695أبو جعفر : وكان ما في هذا الحديث من
عمر وعبد الله موافقته
nindex.php?page=showalam&ids=12عبد الله بن عمر على ما قد ذكرنا عنه في هذا المعنى ، وفيه أيضا قبول
زينب امرأة عبد الله ذلك منهما ، وهي من المهاجرات ، وتركها خلافهما فيه .
وفيما ذكرناه دليل على دفع ما تأول المعنى الذي قد ذكرناه من حديث
بريرة على ما تأوله عليه مما خالفه فيه ، ومما لم نجده منصوصا في شيء من أحاديثها ، وبالله التوفيق .