1. الرئيسية
  2. شرح مشكل الآثار
  3. باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأسارى هل جائز أن يقتلوا أم لا
صفحة جزء
[ ص: 399 ] 705 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأسارى ، هل جائز أن يقتلوا أم لا ؟

قال أبو جعفر : قد كان عطاء بن أبي رباح يكره قتل الأسير صبرا

كما قد حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال : حدثنا أبو عاصم ، عن ابن جريج ، عن عطاء أنه كان يكره قتل الأسير صبرا ، ويتلو هذه الآية : فإما منا بعد وإما فداء .

[ ص: 400 ] وكما حدثنا محمد بن خزيمة ، حدثنا يوسف بن عدي الكوفي ، حدثنا عبد الله بن المبارك ، عن ابن جريج ، عن عطاء أنه كان يكره قتل المشرك صبرا ، ويتلو علينا : فشدوا الوثاق إلى آخر الآية ، قال ابن جريج : فنسخها قوله : فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم .

[ ص: 401 ] قال أبو جعفر : فتأملنا ما قال عطاء مما ذكرناه عنه ، فوجدنا الله قد ذكر هذا المعنى في موضعين من كتابه ، أحدهما : الموضع المذكور في حديثه ، والآخر : المذكور في سورة الأنفال [ 67 ] ، وهو قوله عز وجل : ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم إلى قوله : عذاب عظيم ، فكان في هذه الآية إعلام الله رسوله والمؤمنين أنه لا ينبغي لنبي أن تكون له أسرى من المشركين حتى يثخن القتل فيهم ، ومعقول أن القتل فيهم بما في هذه الآية أولى من الأسر لهم ، وفي ذلك ما قد دل على إطلاقه لهم قتلهم ، واستعمال الذي هو أولى بهم من الأسر الذي هم فيه ، وهذا فقد دل على إباحة قتل الأسرى لا على المنع من قتلهم ، وكانت الآية التي تلاها عطاء في حديثه كان نزولها بعد [ ص: 402 ] إحلال الله لهم الغنائم التي قد كانت قبل ذلك حراما عليهم ، ألا تراه عز وجل يقول : تريدون عرض الدنيا أي : منافعها بالأسر الذي فعلتموه حتى تأخذوا الفداء ممن أسرتموه والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم ، ثم أتبع ذلك بالوعيد الذي أتبعه به من قوله : لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم ، وقد ذكرنا ذلك وما قد روي فيه وما قد تأول عليه فيما تقدم منا في كتابنا هذا ، وكان الأخذ المراد في ذلك - والله أعلم - هو الأسر الذي يكون سببا لذلك ، ولم نكن بينا ذلك هذا البيان في ذلك الموضع من كتابنا هذا في كتابنا هذا ، فذكرناه هاهنا لنقف عليه .

وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتل الأسرى .

4514 - ما قد حدثنا أبو أمية قال : حدثنا عبد الله بن جعفر الرقي ، حدثنا عبيد الله بن عمرو عن زيد بن أبي أنيسة ، عن عمرو بن مرة ، عن إبراهيم قال : أراد الضحاك بن قيس أن يستعمل مسروقا ، فقال له عمارة بن عقبة بن أبي معيط : أتستعمل رجلا من بقايا قتلة عثمان ؟ ! فقال له مسروق : حدثنا عبد الله بن مسعود - وكان في أنفسنا غير كذوب - أن أباك لما أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتله ، فقال : من للصبية يا محمد ؟ قال : " النار ، فقد رضيت لك بما رضي لك رسول الله صلى الله عليه وسلم .

[ ص: 403 ]

4515 - وما قد حدثنا الربيع بن سليمان المرادي ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم جميعا ، قال الربيع : حدثنا شعيب بن الليث بن سعد ، وقال محمد : أخبرنا شعيب بن الليث قالا : حدثنا الليث بن سعد ، عن سعيد بن أبي سعيد أنه سمع أبا هريرة يقول : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خيلا قبل نجد ، فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له : ثمامة بن أثال ، سيد أهل [ ص: 404 ] اليمامة ، فربطوه بسارية من سواري المسجد ، فخرج إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : ما عندك يا ثمامة ؟ " قال : عندي يا رسول الله خير ، إن تقتل تقتل ذا دم ، وإن تنعم تنعم على شاكر ، وإن ترد المال ، فسل تعط منه ما شئت ، فتركه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كان الغد ، فقال : " ما عندك يا ثمامة ؟ " قال : عندي ما قلت لك ، ثم أعاد مثل كلامه الأول ، فتركه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كان بعد الغد ، قال : " ما عندك يا ثمامة ؟ " قال : عندي ما قلت لك ، ثم أعاد مثل كلامه الأول ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أطلقوا ثمامة " ، فانطلق إلى نخل قريب من المسجد ، فاغتسل ، ثم دخل المسجد ، فقال : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، يا محمد ، ما كان على الأرض وجه أبغض إلي من وجهك ، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه كلها إلي ، والله ما كان دين أبغض إلي من دينك ، فأصبح دينك أحب الدين إلي ، والله ما كان بلد أبغض إلي من بلدك ، فأصبح بلدك أحب البلاد إلي ، وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة ، فماذا ترى ؟ فبشره رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأمره أن يعتمر ، فلما قدم مكة ، قال له قائل : أصبوت يا ثمامة ؟ قال : لا ، ولكن أسلمت مع محمد رسول الله ، ووالله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم .

[ ص: 405 ]

4516 - وما قد حدثنا يزيد بن سنان ، حدثنا أبو بكر الحنفي ، حدثنا عبد الحميد بن جعفر ، حدثنا سعيد المقبري أنه سمع أبا هريرة يقول : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خيلا له ... ثم ذكر مثله .

[ ص: 406 ]

4517 - وما قد حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن يونس ، حدثنا أبو بكر بن زنجويه وهو محمد بن عبد الملك ، حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا عبد الله وعبيد الله ابنا عمر ، عن سعيد يعني المقبري ، عن أبي هريرة أن ثمامة الحنفي أسر ، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يغدو إليه فيقول : ما عندك يا ثمامة ؟ " فيقول : إن تقتل تقتل ذا دم ، وإن تمن تمن على شاكر ، وإن ترد المال تعط منه ما شئت . فكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبون الفداء ، ويقولون : ما نصنع بقتل هذا ؟ فمن عليه النبي صلى الله عليه وسلم يوما فأسلم يوما ، فحله وبعث معه النبي صلى الله عليه وسلم إلى حائط أبي طلحة ، وأمره أن يغتسل ، فاغتسل وصلى ركعتين ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " حسن إسلام أخيكم .

أولا ترى إلى وقوف رسول الله صلى الله عليه وسلم على قول ثمامة له وهو أسير : إن تقتل تقتل ذا دم ؟ ولم يدفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، ويقول له [ ص: 407 ] إن من أسر أمن ، يعني : أن لا أقتل الأسير ، وأنت أسير .

4518 - وما قد حدثنا إسحاق أيضا قال : حدثنا محمد بن أبي عمر ، حدثنا سفيان ، عن ابن عجلان ، عن زيد بن أسلم ، عن المقبري ، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسر ثمامة بن أثال ، فكان يمر به ، فيقول : يا ثمامة ، ما عندك ؟ " فيقول : إن تقتل تقتل ذا دم ، وإن تمن تمن على شاكر ، ثم ذكر الحديث .

ففي ذلك ما قد دل أنه كان جائزا له قتله .

4519 - وما قد حدثنا يونس ، أخبرنا ابن وهب أن مالكا أخبره ، عن ابن شهاب ، عن أنس بن مالك

4520 - وما قد حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، حدثنا أبو الوليد ، حدثنا مالك في حديثيهما جميعا ، عن ابن شهاب ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة عام الفتح وعلى رأسه المغفر ، فلما نزعه ، جاءه رجل ، فقال : يا رسول [ ص: 408 ] الله ، هذا ابن خطل متعلق بأستار الكعبة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اقتلوه .

[ ص: 409 ] قال أبو جعفر : وابن خطل يومئذ في حكم الأسير .

4521 - وما قد حدثنا أبو أمية ، حدثنا أحمد بن المفضل الحفري ، حدثنا أسباط بن نصر قال : زعم السدي عن مصعب بن سعد ، عن أبيه قال : لما كان يوم فتح مكة ، أمن رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلا أربعة نفر وامرأتين ، وقال : اقتلوهم ، وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة ; عكرمة بن أبي جهل ، وعبد الله بن خطل ، ومقيس بن صبابة ، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح ، فأما عبد الله بن خطل ، فأتي وهو متعلق بأستار الكعبة ، فاستبق إليه سعيد بن حريث وعمار بن ياسر ، فسبق سعيد عمارا ، وكان أشد الرجلين فقتله ، وأما مقيس بن صبابة ، فأدركه الناس بالسوق فقتلوه ، وأما عكرمة بن أبي جهل ، فركب البحر ، فأصابهم ريح عاصف ، فقال أصحاب السفينة لأهل السفينة : أخلصوا ، فإن آلهتكم لا تغني عنكم هاهنا شيئا ، فقال عكرمة : والله لئن لم ينجني في البحر إلا الإخلاص لا ينجيني في البر غيره ، اللهم إن لك علي عهدا إن أنت أنجيتني مما أنا فيه أن آتي محمدا صلى الله عليه وسلم ، ثم أضع يدي في يده ، فلأجدنه عفوا كريما ، فنجا فأسلم ، وأما عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، فإنه اختبأ عند عثمان ، فلما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس للبيعة ، جاء به حتى أوقفه على النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ، بايع عبد الله ، فرفع رأسه ، فنظر إليه ثلاثا ، كل ذلك يأبى ، فبايعه بعد ثلاث ، ثم أقبل على أصحابه ، فقال : " أما كان فيكم رجل يقوم إلى هذا حين رآني كففت عن بيعته فيقتله ؟ " قالوا : ما درينا يا رسول الله ما في نفسك ، فهلا أومأت إلينا بعينك ! فقال : إنه لا ينبغي للنبي [ ص: 410 ] أن يكون له خائنة عين .

4522 - وما قد حدثنا فهد ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا أحمد بن المفضل ، ثم ذكر بإسناده مثله .

أفلا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال في هذا الحديث لأصحابه ما

[ ص: 411 ]

4523 - وما قد حدثنا يزيد بن سنان ، حدثنا أحمد بن أيوب الشعيري وشيبان بن فروخ . وما قد حدثنا محمد بن علي بن زيد المكي ، حدثنا حفص بن عمر الجدي ، قالوا : حدثنا عبد الوارث بن سعيد ، حدثنا نافع أبو غالب قال : رأيت جنازة كثيرة الأهل ، فيها أنس بن مالك ، فقال أنس : غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكان رجل من الكفار أشد الناس على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : لئن أمكنه الله منه ليضربن عنقه ، فأظفر الله تعالى المسلمين بهم ، وكانوا يجيئون بهم أسارى ، فيبايعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى جيء بذلك الرجل ، فكف النبي صلى الله عليه وسلم عن بيعته ليفي الرجل بنذره ، وكره الرجل أن يقوم فيضرب عنقه قدام النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم لا يصنع شيئا بايعه النبي صلى الله عليه وسلم ، فجاء الرجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : كيف أصنع يا رسول الله بنذري ؟ فقال : " قد كففت عنه لتفي بنذرك ، فلم تصنع شيئا " ، فقال : يا رسول الله ، لولا أومضت إلي ، فقال : ما كان لنبي أن يومض . وفي حديث يزيد خاصة ، وكان ذلك في غزوة حنين .

[ ص: 412 ] ففي هذا الحديث أيضا مثل ما في الحديث الذي قبله .

4524 - وما قد حدثنا سليمان بن شعيب الكيساني ، حدثنا علي بن معبد 4525 - وما قد حدثنا فهد بن سليمان ، حدثنا أبو غسان ، قالا : حدثنا أبو بكر بن عياش ، حدثني عاصم بن بهدلة ، حدثني أبو وائل ، حدثني ابن معيز السعدي ، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا ، فجاءه ابن النواحة ورجل معه يقال له : ابن وثال ، قدم معه وافدين من عند مسيلمة ، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أتشهدان أني رسول الله ؟ " فقالا : أتشهد أنت أن مسيلمة رسول الله ؟ قال : آمنت بالله وبرسله ، لو كنت قاتلا وافدا لقتلتكما .

قال أبو جعفر : وهما حينئذ كالأسيرين ، وفيما ذكرنا من هذه الآثار ما قد دل على إباحة قتل الأسرى ، والله نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية