1. الرئيسية
  2. شرح مشكل الآثار
  3. باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله لا ينكح الزاني إلا مجلودا مثله
صفحة جزء
[ ص: 472 ] 714 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله : " لا ينكح الزاني إلا مجلودا مثله "

4548 - حدثنا أحمد بن داود بن موسى ، حدثنا مسدد بن مسرهد ، حدثنا عبد الوارث بن سعيد ، عن حبيب المعلم ، حدثني عمرو بن شعيب ، عن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا ينكح الزاني إلا مجلودا مثله .

[ ص: 473 ] هكذا حدثنا أحمد بن داود هذا الحديث ، وكان ذلك عندنا - والله أعلم - على المجلود في الزاني المقيم بعد الجلد على الزنى الذي كان جلد فيه ، لا على ترك منه لذلك ، ولا نزوع منه عنه ; لأن وصفه [ ص: 474 ] صلى الله عليه وسلم إياه بالجلد ذكر له بحال هو عنده فيها مذموم ، لأن الجلد في الزنى فيه كفارة للمجلود ، وذمه بذلك مما يدفع أن يكون ذلك الجلد كان له كفارة إذا كان مقيما على ما يوجب عليه مثله .

ثم نظرنا ، هل روي هذا الحديث بغير هذه الألفاظ . ؟

4549 - فوجدنا إسحاق بن إبراهيم بن يونس قد حدثنا قال : أخبرنا أزهر بن مروان الرقاشي ، عن عبد الوارث بن سعيد قال : أخبرنا حبيب المعلم ، عن عمرو بن شعيب ، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الزاني مجلود ، هكذا قال ، وإنما هو : " الزاني المجلود لا ينكح إلا مثله .

قال أبو جعفر : فكان في هذا الحديث القصد في ذكر الناكح والمنكوح جميعا بالجلد لا بالزنى الذي كانا جلدا فيه ، فكان ذلك معقولا أنه أريد بما ذكر به كل واحد منهما الزنى الذي كان جلد فيه لا نفس الجلد الذي كان جلد فيه .

ثم نظرنا ، هل روى هذا الحديث غير عبد الوارث بن سعيد بمعنى يخالف فيه عبد الوارث مما رويناه عنه عليه . ؟

4550 - فوجدنا علي بن الحسين بن حرب قد حدثنا قال : حدثنا أبو الأشعث أحمد بن المقدام العجلي ، حدثنا يزيد بن زريع ، حدثنا حبيب المعلم قال : قلت لعمرو بن شعيب : إن فلانا يقول : إن الزاني لا ينكح إلا زانية مثله ، قال : وما يعجبك من ذلك ؟ حدثني سعيد بن أبي سعيد ، [ ص: 475 ] عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : الزاني لا ينكح إلا زانية مثله ، والمجلود لا ينكح إلا مجلودة مثله .

وكان في هذا الحديث زيادة على ما في الحديثين الأولين ، وهي : " لا يتزوج الزاني إلا زانية " ، فكان ذلك على الزانيين المقيمين على الأحوال المذمومة ، أي أن أحدهما لا ينكح صاحبه إلا للأحوال المذمومة التي يوافقه عليها ، وفيه أن المجلود لا ينكح إلا مجلودة على ذلك المعنى ، وكان ذلك عندنا - والله أعلم - على مجلود في زنى هو مقيم عليه ، مجلودة في زنى هي مقيمة عليه ، لا على زانيين جلد كل واحد منهما في زناه جلدا جعله الله عز وجل له كفارة له ، إذ كان قد نزع عن ذلك الزنى الذي جلد فيه ذلك الجلد وتاب إلى الله منه .

ووجدنا حديثا قد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه ذكر شيء قد يحتمل أن يكون ما ذكر في هذه الأحاديث هو المقصود لما ذكر فيها إليه ، وهو :

4551 - ما قد حدثنا علي بن عبد الرحمن بن محمد بن المغيرة قال : حدثني يحيى بن معين ، حدثنا معتمر بن سليمان ، عن أبيه ، عن الحضرمي - قال أبو جعفر : وهو ابن لاحق - عن القاسم بن محمد ، عن عبد الله بن عمرو أن امرأة يقال لها : أم مهزول ، وكانت [ ص: 476 ] تكون بأجياد ، وتشترط للرجل يتزوجها أن تكفيه النفقة ، وأن رجلا من المسلمين استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها ، فقرأ هذه الآية ، أو أنزلت هذه الآية : والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك .

وما قد حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، حدثنا عمرو بن عون الواسطي ، أخبرنا هشيم ، عن التيمي ، عن القاسم بن محمد - ولم يذكر [ ص: 477 ] بينهما الحضرمي - عن عبد الله بن عمر ، ولم يقل : ابن عمرو ، قال : كن نساء بغايا معلومات ، كان الرجل يتزوج المرأة منهن لتنفق عليه ، منهن أم مهزول .

4552 - وما قد حدثنا ابن أبي داود قال : حدثنا مسدد ، حدثنا يحيى بن سعيد ، عن عبيد الله بن الأخنس ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده أن رجلا يقال له : مرثد بن أبي مرثد قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أنكح عناقا ؟ لبغي كانت بمكة ، قال : فسكت عني رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلت هذه الآية : الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك . فقال : يا مرثد " ، فقلت : لبيك يا رسول الله ، فتلا علي هذه الآية ، وقال : " لا تنكحها .

[ ص: 478 ] فاحتمل أن يكون ما في الآثار الأول هو الذي ينكح المرأة لهذا المعنى الذي يطلق لها فعله ، ليصل مما تكتسبه من ذلك الفعل إلى ما يوصله إليه من الإنفاق عليه ، وكفايته المؤنة في نفسه وفيها ، ومن كان كذلك ، كان فاعلا لما يكون سببا للزنى ، وكان الذم له على ذلك مما لا خفاء به . فقال قائل : أفيجوز أن يسمى بما يسمى به في الحديث الأول من الزنى الذي سمي به فيه ، ويطلق ذلك عليه ، ولم يكن منه الزنى ؟

فكان جوابنا له في ذلك أنه قد يجوز أن يطلق عليه هذا الاسم إذا كان قد صار سببا لإطلاقه إياه إلى من يفعله ، وإباحته إياه ذلك ، كما قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم .

4553 - مما قد حدثنا علي بن معبد ، حدثنا روح بن عبادة ، حدثنا ثابت بن عمارة قال : سمعت غنيم بن قيس قال : سمعت أبا موسى الأشعري يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أيما امرأة استعطرت ومرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية ، وكل عين زانية .

[ ص: 479 ] وكان في هذا الحديث إطلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها الزنى ، وكان منها السبب الذي يكون عنه الزنى ، فمثل ذلك - والله أعلم - كان إطلاقه صلى الله عليه وسلم الزنى على من أطلقه عليه في الآثار الأول ، لفعله ما يكون سببا للزنى الذي أطلقه عليه . فبان بحمد الله ونعمته المعنى الذي حملنا عليه الآثار الأول التي ذكرناها في هذا الباب بهذا الأثر الثاني الذي ذكرناه فيه ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية