1. الرئيسية
  2. شرح مشكل الآثار
  3. باب بيان مشكل قول الله عز وجل ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون
صفحة جزء
[ ص: 297 ] 903 - باب بيان مشكل قول الله عز وجل : ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ، ومما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه . قال أبو جعفر : قال الله عز وجل : ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون فتأملنا الذكر المراد به في هذه الآية ، فوجدنا قد قال في ذلك غير واحد من التابعين أقوالا مختلفة ، فمنها ما روي عن سعيد بن جبير في ذلك .

كما حدثنا فهد بن سليمان ، حدثنا عمر بن حفص بن غياث النخعي ، حدثنا أبي ، عن الأعمش ، قال : سألت سعيد بن جبير عن هذه الآية : ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر قال : التوراة والإنجيل والفرقان من بعد الذكر الذي في السماء : أن الأرض أرض الجنة يرثها عبادي الصالحون .

[ ص: 298 ]

وكما حدثنا أحمد بن داود بن موسى ، أنبأنا شعبة ، حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن سعيد بن جبير : ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر قال : التوراة والإنجيل والفرقان من بعد الذكر ، الأصل الذي نسخ منه هذه الكتب : أن الأرض أرض الجنة يرثها عبادي الصالحون .

فكان في هذا الحديث : أن الذكر المراد في هذه الآية هو الذكر الذي في السماء ، وأن الزبور المذكور فيها هي : التوراة والإنجيل والفرقان .

وكما حدثنا أحمد بن داود ، حدثنا مسدد ، حدثنا أبو الأحوص ، حدثنا منصور ، عن سعيد بن جبير : ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر قال : الزبور والفرقان والذكر : التوراة ، والأرض : أرض الجنة . فهذا الذي وجدنا في تأويل هذه الآية عن سعيد بن جبير .

ومنها ما روي عن الشعبي كما حدثنا أحمد بن داود ، حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا عبد الوهاب - يعني الثقفي - ، حدثنا داود - يعني ابن أبي هند - ، عن عامر : ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر قال : زبور داود من بعد الذكر ، [ ص: 299 ] قال : ذكر موسى : التوراة ، فهذا يخالف ما قد رويناه في تأويلها .

كما حدثنا ابن أبي مريم ، حدثنا الفريابي ، حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر قال : الزبور : الكتاب عند الله ، أن الأرض " : يعني أرض الجنة يرثها عبادي الصالحون " . فلما وقع في هذا من الاختلاف ما وقع فيه مما ذكرنا طلبنا المعنى الذي فيه مما قد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

5629 - فوجدنا محمد بن سليمان بن هشام قد حدثنا ، قال : حدثنا أبو معاوية الضرير ، عن الأعمش ، عن جامع بن شداد ، عن صفوان بن محرز ، عن عمران بن الحصين ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اقبلوا البشرى يا بني تميم ، [ ص: 300 ] فقالوا : قد بشرتنا فأعطنا . قال : اقبلوا البشرى يا أهل اليمن . قال : قلنا : قد قبلنا ، فأخبرنا عن أول هذا الأمر ، كيف كان ؟ قال : كان الله قبل كل شيء ، وكان عرشه على الماء ، وكتب في اللوح ذكر كل شيء ، وأتاني آت ، فقال لي : يا عمران ، انحلت ناقتك من عقالها ، فخرجت فإذا السراب بيني وبينها ، فخرجت في إثرها ، فلا أدري ما كان بعدي .

فكان في هذا الحديث : أن الله تعالى كتب في اللوح ذكر كل شيء .

5630 - ووجدنا جعفر بن محمد بن الحسن الفريابي قد حدثنا ، [ ص: 301 ] قال : حدثنا أبو مروان عبد الملك بن حبيب ، حدثنا أبو إسحاق الفزاري ، عن الأعمش ، عن جامع بن شداد ، عن صفوان بن محرز ، عن عمران بن الحصين ، قال : كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجاءه نفر من أهل اليمن ، فقالوا : أتيناك يا رسول الله لنتفقه في الدين ، ونسألك عن أول هذا الأمر ، كيف كان ؟ فقال : كان الله ولم يكن شيء غيره ، وكان عرشه على الماء ، ثم كتب في الذكر كل شيء ، ثم خلق السماوات والأرض .

فكان ما في هذا الحديث مثل الذي في الحديث الأول وزيادة عليه وهو قوله : ثم خلق السماوات والأرض .

5631 - ووجدنا بكار بن قتيبة قد حدثنا ، قال : حدثنا أبو داود صاحب الطيالسة ، حدثنا المسعودي ، عن جامع بن شداد ، عن بريدة بن الحصيب ، هكذا وجدته في كتابي عن بكار .

5632 - وحدثناه إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا عثمان بن [ ص: 302 ] عمر بن فارس ، حدثنا المسعودي ، عن جامع بن شداد ، عن صفوان بن محرز ، عن ابن حصيب : أن قوما دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يبشرهم ، ويقولون : أعطنا ، فخرجوا من عنده ، ودخل عليه قوم آخرون ، فقالوا : أتيناك نتفقه في الدين ، ونسأل عن بدو هذا الأمر ، قال : فاقبلوا البشرى إذ لم يقبلها أولئك ، قال : كان الله سبحانه لا شيء غيره ، وكان عرشه على الماء ، وكتب في الذكر كل شيء .

فاختلف الأعمش في الذي رجع إليه هذا الحديث من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكر الأعمش : أنه عمران بن الحصين ، وذكر المسعودي : أنه بريدة بن الحصيب ، وكان الصحيح عندنا ما قاله الأعمش فيه ، ودل على ذلك : أن الثوري قد رواه عن جامع بن شداد ، [ ص: 303 ] فوافق الأعمش فيه ، وخالف المسعودي ، وإن كان قد قصر عن بعض متنه مما في روايتهما .

5633 - كما حدثنا يزيد بن سنان ، حدثنا مؤمل بن إسماعيل ، حدثنا سفيان الثوري ، عن جامع بن شداد ، عن صفوان بن محرز ، عن عمران بن حصين : أن وفد بني تميم قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : أبشروا يا بني تميم . فقالوا : بشرتنا فأعطنا ، فتغير رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم أتاه وفد أهل اليمن ، فقال : أبشروا يا أهل اليمن اقبلوا البشرى إذ لم يقبلها بنو تميم ، فقالوا : قبلنا يا رسول الله ، ثم حدث ، فقال لي رجل : قد ذهب بعيرك ، فليته كان ذهب ولم أقم .

فكان في هذا الحديث الذي رواه صفوان عمن رواه عنه ، عن عمران ممن يريد كتاب الله في الذكر كل شيء قبل خلقه السماوات والأرض ، فكان معقولا بما في هذا الحديث : أن الذكر المراد في قوله تعالى : ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر : أن [ ص: 304 ] ذلك الذكر هو المكتوب قبل خلق السماوات والأرض ، وأن الأشياء المذكورة بعده هي ما سواه من التوراة والإنجيل والقرآن .

وأما اللغويون : فكانوا يذهبون إلى أن الذكر المراد في هذه الآية هو الفرقان ، ويحتجون في ذلك بقوله :ص والقرآن ذي الذكر ، وبقوله عز وجل : فاسألوا أهل الذكر ، وبقوله تعالى : إنا نحن نـزلنا الذكر وإنا له لحافظون ، وبقوله تعالى : إن هو إلا ذكر وقرآن مبين .

فكان في هذه الآيات ما قد دل : أن الذكر المذكور فيها هو القرآن ، وكانوا يقولون في ذلك : إنهم وجدوا حروف الخفض يعاقب بعضها بعضا ، فيخاطب فيها ببعد لما يراد به قبل ، وبقبل مما يراد به بعد ، وكان ذلك موجودا في كلام العرب .

وكان الذي دل عليه ما قد رويناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما قد ذكرنا أولى بالتأويل لهذه الآية مما قالوا ، إذ كان ما قالوا لم تدع إليه ضرورة توجب حمل الأمر على ما حملوه عليه ، وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية