صفحة جزء
[ ص: 116 ] 93 - باب بيان مشكل ما روي عنه عليه السلام من قوله : فإن الله لا يمل حتى تملوا

650 - حدثنا يزيد بن سنان ، حدثنا يحيى بن سعيد القطان ، حدثنا هشام ، أخبرني أبي ، عن عائشة أن النبي عليه السلام دخل عليها وعندها امرأة فقال : من هذه ؟ فقالت : فلانة لا تنام ، فذكر من صلاتها فقال : مه ، عليكم ما تطيقون ، فوالله لا يمل الله تعالى حتى تملوا ، وكان أحب الدين إلى الله ما داوم عليه صاحبه .

651 - حدثنا ابن أبي داود ، حدثنا المقدمي ، حدثنا المعتمر بن [ ص: 117 ] سليمان ، عن عبيد الله بن عمر ، عن سعيد بن أبي سعيد ، عن أبي سلمة ، عن عائشة أن النبي عليه السلام كان يحتجر حصيرا بالليل فيصلي ، ويبسطه بالنهار فيجلس عليه ، فجعل الناس يثوبون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيصلون بصلاته حتى كثروا ، فأقبل عليهم فقال : أيها الناس خذوا من العمل ما تطيقون ، فإن الله لا يمل حتى تملوا ، وإن أحب الأعمال إلى الله ما دام منها وإن قل .

652 - حدثنا محمد بن علي بن داود ، حدثنا حاجب بن الوليد ، حدثنا هقل بن زياد السكسكي ، حدثنا الأوزاعي ، حدثني يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن عائشة قالت : قال رسول الله عليه السلام : خذوا من العمل ما تطيقون ، فإن الله لا يمل حتى تملوا قالت : وكان أحب الصلاة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما داوم عليها وإن قلت ، وكان إذا صلى صلاة داوم عليها .

قال : ويقول أبو سلمة : إن الله يقول : الذين هم على صلاتهم دائمون .

[ ص: 118 ] فقال قائل : وكيف يجوز لكم أن تقبلوا هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه إضافة الملل إلى الله تعالى في حال ما ، وذلك منتف عن الله وليس من صفاته .

فكان جوابنا له في ذلك : أن الملل منتف عن الله كما ذكر ، وليس ما توهمه مما حمل عليه تأويل هذا الحديث كما توهم ، وإنما هو عند أهل العلم في اللغة على قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يمل الله إذا مللتم ، إذ كان الملل موهوما منكم ، وغير موهوم منه عز وجل ، وكان مثل ذلك الكلام الجاري على ألسن الناس عند وصفهم من يصفونه بالقوة على الكلام والبلاغة منه والبراعة به : لا ينقطع فلان عن خصومة خصمه حتى ينقطع خصمه ، ليس يريدون بذلك أنه ينقطع بعد انقطاع خصمه لأنهم لو كانوا يريدون ذلك لم يثبتوا للذي وصفوه فضيلة إذ كان ينقطع بعقب انقطاع خصمه كما انقطع خصمه ، ولكنهم يريدون أنه لا ينقطع بعد انقطاع خصمه كما انقطع خصمه عنه ، وأنه يكون من القوة والاضطلاع بخصومته بعد انقطاع خصمه عنها كمثل ما كان عليه منها قبل انقطاع خصمه عنها ، فمثل ذلك والله أعلم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يمل الله حتى تملوا ، وإن الله لا يمل حتى تملوا ، أي إنكم قد تملون فتنقطعون والله بعد مللكم وانقطاعكم على الحال التي كان عليها قبل ذلك من انتفاء الملل والانقطاع عنه ، وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية