المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية

ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني

صفحة جزء
4558 - وقال أبو يعلى : حدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي ، ثنا محمد بن بكر البرساني ، قال : قال أبو عاصم الحبطي ، وكان من خيار أهل البصرة ، وكان من أصحاب حرم وسالم بن أبي مطيع ، قال : ثنا بكر بن خنيس ، عن ضرار بن عمرو ، عن يزيد الرقاشي ، عن أنس ، عن تميم الداري رضي الله عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : يقول الله تبارك وتعالى لملك الموت : انطلق إلى وليي ، فأتني به ، فإني قد جربته بالسراء والضراء ، فوجدته حيث أحب ، ائتني به ، فلأريحنه ، قال : فينطلق إليه ملك الموت ، ومعه خمسمائة من الملائكة معهم أكفان وحنوط من الجنة ، ومعهم ضبائر الريحان ، أصل الريحانة واحد ، وفي رأسها عشرون لونا ، لكل لون منها ريح سوى ريح صاحبه ، معهم الحرير الأبيض فيه المسك الأذفر ، قال : فيجلس ملك الموت عند رأسه ، وتحفه الملائكة ، ويضع كل منهم يده على عضو من أعضائه ، ويبسط ذلك الحرير الأبيض والمسك الأذفر من تحت ذقنه ، ويفتح له باب إلى الجنة ، فإن نفسه لتعلل عند ذلك بطرف الجنة ، مرة بأزواجها ، ومرة بكسوتها ، ومرة بثمارها ، كما يعلل الصبي أهله إذا بكى ، وإن أزواجه لينهسنه عند ذلك انتهاسا ، وقال : وتبرز الروح ، ( قال البرساني : يريد الخروج سرعة ، لما يرى مما يحب ) ، قال : ويقول ملك الموت : اخرجي أيتها الروح الطيبة إلى سدر مخضود ، وطلح منضود ، وظل ممدود ، وماء مسكوب ، قال : وملك الموت أشد به لطفا من الوالدة بولدها ، يعرف أن ذلك الروح حبيب إلى ربه ، فهو يلتمس لطفه تحببا لربه ، ورضا للرب عنه ، فتسل روحه كما تسل الشعرة [ ص: 540 ] من العجين ، قال : وقال الله تعالى : الذين تتوفاهم الملائكة طيبين ، وقال عز وجل : فأما إن كان من المقربين فروح وريحان وجنت نعيم ، قال : ( روح ) من جهد الموت ، وريحان يتلقى به ، ( وجنة نعيم ) تقابله قال : فإذا قبض ملك الموت روحه ، قال الروح للجسد : جزاك الله عني خيرا ، فقد كنت سريعا بي إلى طاعة الله تعالى ، بطيئا بي عن معصية الله عز وجل ، فقد نجيت فأنجيت ، قال : ويقول الجسد للروح مثل ذلك ، قال : وتبكي عليه بقاع الأرض التي كان يطيع الله تعالى فيها ، وكل باب من السماء يصعد منه عمله ، وينزل منه رزقه أربعين سنة .

قال : فإذا قبض ملك الموت روحه أقام الخمسمائة من الملائكة عند جسده ، فلا يقلبه بنو آدم لشق إلا قلبته الملائكة قبلهم ، وعلته بأكفان قبل أكفان بني آدم ، وحنوط قبل حنوط بني آدم ، ويقوم من باب بيته إلى باب قبره صفان من الملائكة ، يستقبلونه بالاستغفار ، قال : فيصيح عند ذلك إبليس صيحة يتصدع منها عظام بعض جسده ، ويقول لجنوده : الويل لكم كيف خلص هذا العبد منكم ؟ قال : فيقولون : هذا العبد كان معصوما ، قال : فإذا صعد الملك بروحه إلى السماء استقبله جبريل عليه الصلاة والسلام في سبعين ألفا من الملائكة ، كل يأتيه ببشارة من ربه سوى بشارة صاحبه ، قال : فإذا انتهى ملك الموت بروحه إلى العرش ، خر الروح ساجدا ، فيقول الله تبارك وتعالى لملك الموت : انطلق بروح عبدي هذا ، فضعه في سدر مخضود ، وطلح منضود ، وظل ممدود ، وماء مسكوب .

قال : فإذا وضع في قبره جاءته الصلاة ، فكانت عن يمينه ، وجاءه الصيام فكان عن يساره ، وجاءه القرآن والذكر فكانا عند رأسه ، وجاءه مشيه إلى الصلاة فكان عند رجله ، وجاءه الصبر فكان في ناحية القبر ، [ ص: 541 ] قال : فيبعث الله تعالى عذابا من العذاب ، فيأتيه عن يمينه ، فتقول الصلاة : وراءك ، والله ما زال دائبا عمره كله ، وإنما استراح الآن حين وضع في قبره ، قال : فيأتيه عن يساره ، فيقول الصيام مثل ذلك ، ثم يأتيه من عند رأسه ، فيقول القرآن والذكر مثل ذلك ، ثم يأتيه من عند رجله فيقول مشيه إلى الصلاة مثل ذلك ، قال : فلا يأتيه العذاب من ناحية يلتمس هل يجد مساغا إلا وجد ولي الله تعالى قد أحد حسه ، قال : فيندفع العذاب عند ذلك فيخرج ، ويقول الصبر لسائر الأعمال : أما أنا لم يمنعني أن أباشر أنا بنفسي إلا أني نظرت ما عندكم ، فإن عجزتم كنت أنا صاحبه ، فأما إذا أجزأتم عنه ، فأنا له ذخر عند الصراط والميزان .

قال : ويبعث الله تعالى ملكين ، أبصارهما كالبرق الخاطف ، وأصواتهما كالرعد القاصف ، وأنيابهما كالصياصي ، وأنفاسهما كاللهب ، يطآن في أشعارهما بين منكب كل واحد منهما مسيرة كذا وكذا ، قد نزعت منهما الرأفة والرحمة ، يقال لهما : منكر ونكير ، في يد كل واحد منهما مطرقة ، لو اجتمع عليهما ربيعة ومضر لم يقلوها ، قال : فيقولان له : اجلس ، قال : فيستوي جالسا ، وتقع أكفانه في حقويه ، قال : فيقولان له : من ربك ؟ وما دينك ؟ وما نبيك ؟ قالوا : يا رسول الله ومن يطيق الكلام عند ذلك ، وأنت تصف من الملكين ما تصف ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء ، قال : فيقول : الله ربي وحده لا شريك له ، وديني الإسلام الذي دانت به الملائكة ، ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين ، قال : فيقولان : صدقت ، قال : فيدفعان القبر فيوسعانه من بين يديه أربعين ذراعا ، ومن خلفه أربعين ذراعا ، وعن يمينه أربعين ذراعا ، وعن [ ص: 542 ] شماله أربعين ذراعا ، ومن عند رأسه أربعين ذراعا ، قال : فيوسعان أربعين ذراعا ، ( قال البرساني : وأحسبه قال ) : وأربعين تحاط به .

ثم يقولان له : انظر فوقك ، قال : فينظر فوقه ، فإذا باب مفتوح إلى الجنة ، فيقولان له : يا ولي الله هذا منزلك إذ أطعت الله تعالى قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : والذي نفسي بيده ، إنه يصل إلى قلبه عند ذلك فرحة لا ترتد أبدا ، ثم يقال له : انظر تحتك ، فينظر تحته ، فإذا باب مفتوح إلى النار ، فيقولان له : يا ولي الله هذا منزلك لو عصيت الله ، فنجوت ، أخرها عليك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : والذي نفس محمد بيده ، إنه ليصل إلى قلبه عند ذلك فرحة لا يزيد أبدا ، قال : وقالت عائشة رضي الله عنها : يفتح له سبعة وسبعون بابا إلى الجنة ، يأتيه ريحها ، وبردها ، حتى يبعثه الله تبارك وتعالى .

وهذا الإسناد إلى أنس بن مالك ، عن تميم الداري ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : يقول الله تبارك وتعالى لملك الموت : انطلق إلى عدوي فأتني به ، فإني قد بسطت له من رزقي وسربلته نعمتي فأبى إلا معصيتي ، فأتني به لأنتقم منه ، قال : فينطلق إليه ملك الموت في أكره صورة رآها أحد من الناس قط ، له اثنا عشر عينا ، ومعه سفود من حديد كثير الشوك ، ومعه خمسمائة من الملائكة ، معهم نحاس وجمر من جمر جهنم ، ومعهم سياط من نار ، لينها لين السياط وهي نار تأجج ، قال : فيضربه ملك الموت بذلك [ ص: 543 ] السفود ضربة تغيب أصل كل شوكة من ذلك السفود في أصل كل شعرة وعرق وظفر ، ثم يلويه ليا شديدا ، فينزع روحه من أظفار قدميه ، فيلقيها في عقبيه ، قال : فيسكر عدو الله عند ذلك سكرة ، فيروح ملك الموت عنه ، فتضرب الملائكة وجهه ودبره بتلك السياط ، ثم تنثره الملائكة نثرة ، فتنزع روحه من عقبيه ، فيلقيها في ركبتيه ، ثم يسكر عدو الله عز وجل سكرة عند ذلك ، فيرفه ملك الموت عنه ، قال : فتضرب الملائكة وجهه ودبره بتلك السياط ، فينثره ملك الموت نثرة ، فتنتزع روحه من ركبتيه ، فيلقيها في حقويه ، قال : فيسكر عدو الله عند ذلك سكرة ، فيرفه ملك الموت عنه ، فتضرب الملائكة وجهه ودبره بتلك السياط ، قال : فكذلك إلى صدره إلى حلقه ، فتبسط الملائكة النحاس وجمر جهنم تحت ذقنه ، ويقول ملك الموت : اخرجي أيتها الروح اللعينة الملعونة إلى سموم جهنم ، وظل من يحموم لا بارد ولا كريم .

قال : فإذا قبض ملك الموت روحه ، قال الروح للجسد : جزاك الله عني شرا ، قد كنت بطيئا بي عن طاعة الله تعالى ، سريعا بي إلى معصية الله عز وجل ، وقد هلكت وأهلكت ، قال : ويقول الجسد للروح مثل ذلك ، وتلعنه بقاع الأرض التي كان يعصي الله عز وجل عليها ، قال : وينطلق [ ص: 544 ] جنود إبليس يبشرونه بأنهم قد أوردوا عبدا من ولد آدم النار ، فإذا وضع في قبره ضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه ، وتدخل اليمنى في اليسرى ، ( وتدخل ) اليسرى في اليمنى ، فيبعث الله تعالى إليه أفاعي كأعناق الإبل ، يأخذونه بأرنبته ، وإبهامي قدميه ، فتقرضه حتى يلتقين في وسطه ، ويبعث الله تعالى بملكين أبصارهما كالبرق الخاطف ، وأصواتهما كالرعد القاصف ، وأنيابهما كالصياصي ، وأنفاسهما كاللهب ، يطآن في شعورهما ، بين منكبي كل واحد منهما مسيرة كذا وكذا ، قد نزعت منهما الرأفة والرحمة ، يقال لهما : منكر ونكير ، في يد كل واحد منهما مطرقة ، لو اجتمع عليها ربيعة ومضر لم يقلوها ، قال : فيقولان له : اجلس ، قال : فيجلس ، فيستوي جالسا ، وتقع أكفانه إلى حقويه ، قال : فيقولان له : من ربك ؟ وما دينك ؟ ومن نبيك ؟ فيقول : لا أدري ، فيقولان له : لا دريت ولا تليت ، قال : فيضربانه ضربة يطير شرارها في قبره ، ثم يعودان ، فيقولان له : انظر فوقك ، فينظر فإذا باب مفتوح من الجنة ، فيقولان له : عدو الله هذا منزلك لو كنت أطعت الله عز وجل ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : والذي نفس محمد بيده ، إنه ليصل إلى قلبه عند ذلك حسرة لا يزيد أبدا ، قال : فيقولان له : انظر تحتك ، فينظر ، فإذا باب مفتوح إلى النار ، [ ص: 545 ] فيقولان : عدو الله هذا منزلك إذ عصيت الله عز وجل ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : والذي نفس محمد بيده ، إنه ليصل إلى قلبه عند ذلك حسرة ولا تزيد أبدا .

وقالت عائشة رضي الله عنها : ويفتح له سبعة وسبعون بابا إلى النار ، يأتيه حرها وسمومها ، حتى يبعثه الله تبارك وتعالى إليها .


هذا حديث عجيب السياق ، وهو شاهد لكثير مما ثبت في حديث البراء رضي الله عنه الطويل المشهور ، ولكن هذا الإسناد غريب ، لا نعرف أحدا روى عن أنس ، عن تميم الداري رضي الله عنهما إلا من هذا الوجه ، ويزيد الرقاشي سيئ الحفظ جدا ، كثير المناكير ، كان لا يضبط الإسناد ، فيلزق بأنس رضي الله عنه كل شيء يسمعه من غيره ، ودونه أيضا من هو مثله ، أو أشد ضعفا .

( 216 ) وقد تقدم حديث أبي سعيد رضي الله عنه في الأشراط .

[ ص: 546 ] [ ص: 547 ] [ ص: 548 ] [ ص: 549 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية