صفحة جزء
[ ص: 82 ] باب ذكر السرايا التي كانت في سنة ست من الهجرة فيما زعم الواقدي

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرنا أبو عبد الله الأصبهاني، قال : [ ص: 83 ] حدثنا الحسن بن الجهم، قال: حدثنا الحسين بن الفرج، قال: حدثنا الواقدي، قال: وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في ربيع الأول أو قال: الآخر سنة ست من قدومه المدينة عكاشة بن محصن الأسدي في أربعين رجلا إلى الغمر وفيهم ثابت بن أقرم وسباع بن وهب، فأغذا السير ونذر القوم بهم، فهربوا، فنزل على مياههم، وبعث الطلائع، فأصابوا من دلهم على بعض ماشيتهم، فوجدوا مائتي بعير، فساقوها إلى المدينة قال: وفيها بعث سرية أبي عبيدة بن الجراح إلى القصة في أربعين رجلا، فساروا ليلهم مشاة، ووافوا ذا القصة مع عماءة الصبح، فأغار عليهم وأعجزهم هربا في الجبال، وأصابوا رجلا واحدا فأسلم، فتركه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وبعث محمد بن مسلمة في ربيع الأول سنة ست من قدومه المدينة في عشرة نفر، فكمن القوم بهم حتى نام هو وأصحابه، فما شعروا إلا بالقوم ، [ ص: 84 ] فقتل أصحاب محمد بن مسلمة، وأفلت محمد جريحا.

وفيها يعني سنة ست كانت سرية زيد بن حارثة بالحموم، فأصاب امرأة من مزينة يقال لها حليمة، فدلتهم على محلة من محال بني سليم، فأصابوا نعما وشاء وأسراء، وكان في أول الأسراء زوج حليمة، فلما قفل بما أصاب وهب رسول الله صلى الله عليه وسلم للمزنية نفسها وزوجها.

قال: وفيها - يعني سنة ست - سرية زيد بن حارثة إلى الطرف في جمادى الأولى إلى بني ثعلبة في خمسة عشر رجلا، فهربت الأعراب، وخافوا أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم سار إليهم، فأصاب من نعمهم عشرين بعيرا.

قال: وغاب أربع ليال.

قال: وفيها - يعني سنة ست - كانت سرية زيد بن حارثة إلى العيص في جمادى الأولى وفيها أخذت الأموال التي كانت مع أبي العاص، فاستجار بزينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأجارته.

قال الواقدي: حدثنا موسى بن إبراهيم، عن أبيه قال: أقبل دحية الكلبي من عند قيصر قد أجاز دحية بمال وكساه كسى، فأقبل حتى كان بحسمى فلقيه ناس من جذام، فقطعوا عليه الطريق، فلم يتركوا معه شيئا، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يدخل بيته، فأخبره، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة إلى حسمى.

قال الواقدي: حدثنا عبد الله بن جعفر، عن يعقوب بن عتبة قال: خرج علي رضي الله عنه في مائة رجل إلى فدك إلى حي من بني سعد بن بكر، وذلك [ ص: 85 ] أنه بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لهم جمعا يريدون أن يمدوا يهود خيبر، فسار إليهم الليل وكمن النهار، وأصاب عينا وأقر أنه بعث إلى خيبر يعرض عليهم نصرهم على أن يجعلوا لهم ثمر خيبر.

قال الواقدي: وفيها - يعني سنة ست - سرية عبد الرحمن بن عوف إلى دومة الجندل في شعبان، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أطاعوا فتزوج ابنة ملكهم" .

فأسلم القوم، وتزوج عبد الرحمن تماضر بنت الأصبع، وهي أم أبي سلمة، وكان أبوها رأسهم وملكهم.


قال الواقدي: وكانت سرية كرز بن جابر الفهري إلى العرنيين الذين قتلوا راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستاقوا الإبل في شوال من سنة ست، بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في عشرين فارسا.

أما قصة أبي العاص التي ذكرها الواقدي ففيما أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، قال: حدثنا أحمد بن عبد الجبار، قال: حدثنا يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، قال: حدثنا عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن حزم قال: خرج أبو العاص بن الربيع تاجرا إلى الشام وكان رجلا مأمونا، وكانت معه بضائع لقريش، فأقبل قافلا، فلقيته سرية لرسول الله صلى الله عليه وسلم فاستاقوا عيره، وأفلت، وقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بما أصابوا فقسمه بينهم، وأتى أبو العاص حتى دخل على زينب، فاستجار بها، وسألها أن تطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم رد ماله عليه، وما كان معه من أموال الناس، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم السرية، فقال لهم: "إن هذا الرجل منا حيث قد علمتم، وقد أصبتم له مالا ولغيره مما كان معه، وهو فيء الله الذي أفاء عليكم، فإن رأيتم أن تردوا [ ص: 86 ] عليه فافعلوا، وإن كرهتم فأنتم وحقكم" قالوا: بل نرد عليه يا رسول الله.

فردوا والله عليه ما أصابوا حتى إن الرجل ليأتي بالشنة والرجل بالإداوة، والرجل بالحبل، فما تركوا قليلا أصابوه، ولا كبيرا إلا وردوه عليه، ثم خرج حتى قدم مكة، فأدى إلى الناس بضائعهم، حتى إذا فرغ قال: يا معشر قريش، هل بقي لأحد منكم معي مال لم أرده عليه؟ قالوا: لا، فجزاك الله خيرا، قد وجدناك وفيا كريما فقال:
أما والله ما منعني أن أسلم قبل أن أقدم عليكم، إلا تخوفا من أن تظنوا أني إنما أسلمت لأذهب بأموالكم، فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله
وذكر موسى بن عقبة أن أموال أبي العاص إنما أخذها أبو نصير في الهدنة وذلك يرد بعد هذا إن شاء الله تعالى.

وأما قصة العرنيين، ففيما أخبرنا أبو محمد عبد الله بن يوسف الأصبهاني قال: أخبرنا أبو سعيد بن الأعرابي، قال: حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني، قال: حدثنا عبد الوهاب بن عطاء قال: أخبرنا سعيد، عن قتادة، عن أنس بن مالك أن رهطا من عكل وعرينة أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله، إنا أناس من أهل ضرع ولم نكن من أهل ريف فاستوخمنا المدينة فأمر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بزود وزاد، فأمرهم أن يخرجوا فيها فيشربوا من أبوالها وألبانها، فانطلقوا حتى إذا كانوا في ناحية الحرة قتلوا راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستاقوا الزود وكفروا بعد إسلامهم، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم في طلبهم، فأمر بهم فقطع أيديهم وأرجلهم، وسمر أعينهم وتركهم في ناحية الحرة، حتى ماتوا وهم كذلك، قال قتادة: فذكر لنا أن هذه الآية نزلت فيهم، يعني قوله: إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله قال قتادة: بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحث في خطبته بعد ذلك على الصدقة وينهى عن المثلة [ ص: 87 ] أخرجاه في الصحيح من حديث سعيد بن أبي عروبة.

وقال بعضهم: عن ابن أبي عروبة من عكل أو عرينة وقال همام وشعبة وحماد بن سلمة، عن قتادة: من عرينة، وقال عبد العزيز بن صهيب، عن أنس: من عرينة، وقال ثابت وحميد، عن أنس: من عرينة.

التالي السابق


الخدمات العلمية