صفحة جزء
[ ص: 377 ] باب ما جاء في بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم دحية بن خليفة الكلبي رضي الله عنه إلى قيصر وهو هرقل ملك الروم، وما جرى في سؤاله أبا سفيان بن حرب عن أحوال النبي صلى الله عليه وسلم، وما ظهر في ذلك وفيما رأى قيصر في منامه من آثار النبوة ودلالات الصدق على رسولنا محمد عليه الصلاة والسلام

أخبرنا أبو علي الحسين بن محمد بن محمد بن علي الروذباري، قال: أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن الحسن بن أيوب الطوسي، قال: حدثنا أبو يحيى بن أبي مسرة، قال: حدثنا يعقوب بن محمد بن عيسى الزهري، قال: حدثنا إبراهيم بن سعد (ح) وأخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ قال: أخبرنا إسماعيل بن محمد بن الفضل بن محمد الشعراني، قال: حدثنا جدي، قال: حدثنا إبراهيم بن حمزة، قال: حدثنا إبراهيم بن سعد، عن صالح بن كيسان، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن عبد الله بن عباس، أنه أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى قيصر يدعوه إلى الإسلام وبعث بكتابه إليه مع دحية الكلبي، وأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدفعه إلى عظيم بصرى ليدفعه إلى قيصر، فدفعه عظيم بصرى إلى قيصر، وكان قيصر لما كشف الله عنه جنود فارس مشى [ ص: 378 ] من حمص إلى إيلياء شكرا لما أبلاه الله، فلما أن جاء قيصر كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين قرأه: التمسوا إلي هاهنا أحدا من قومه لنسألهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال ابن عباس: فأخبرني أبو سفيان أنه كان بالشام في رجال من قريش قدموا تجارا في المدة التي كانت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين كفار قريش، قال أبو سفيان: فوجدنا رسول قيصر ببعض الشام فانطلق بي وبأصحابي حتى قدمنا إيلياء، فأدخلنا عليه، فإذا هو جالس في مجلس ملكه وعليه التاج، وإذا حوله عظماء الروم، فقال لترجمانه: سلهم أيهم أقرب نسبا بهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟ قال أبو سفيان: أنا أقربهم إليه نسبا.

قال: ما قرابة ما بينك وبينه؟ فقلت: هو ابن عمي.

قال: وليس في الركب يومئذ أحد من بني عبد مناف غيري.

قال قيصر: أدنوه مني.

ثم أمر بأصحابي فجعلوا خلف ظهري عند كتفي، ثم قال لترجمانه: قل لأصحابه: إني سائله عن الذي يزعم أنه نبي، فإن كذب فكذبوه قال أبو سفيان: والله لولا الحياء يومئذ أن يأثر أصحابي عني الكذب لكذبته عنه حين سألني عنه، ولكني استحيت أن يأثروا الكذب عني فصدقته عنه، ثم قال لترجمانه: قل له: كيف نسب هذا الرجل فيكم؟ قال: قلت: فهو فينا ذو نسب قال: فهل قال هذا القول أحد منكم قبله؟ قال: لا.

قال: فهل كنتم تتهمونه على الكذب قبل أن يقول ما قال؟ قلت: لا.

قال: فهل من آبائه من ملك؟ قال: قلت: لا، قال: فأشراف الناس يتبعونه أو ضعفاؤهم؟ قال: قلت: بل ضعفاؤهم.

قال: فيزيدون أو ينقصون؟ قال: قلت: بل يزيدون.

قال: فهل يرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ قال: قلت: لا.

قال: فهل يغدر؟ قلت: لا، ونحن الآن منه في مدة ونحن نخاف منه أن يغدر.

قال أبو سفيان: ولم تمكني كلمة أدخل فيها شيئا أنتقصه بها لا أخاف أن تؤثر عني [ ص: 379 ] غيرها.

قال: فهل قاتلتموه وقاتلكم؟ قال: قلت: نعم.

قال: فكيف كانت حربكم وحربه؟ قال: قلت: كانت دولا وسجالا، يدال علينا المرة وندال عليه الأخرى.

قال: فماذا يأمركم به؟ قال: قلت: يأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئا، وينهانا عما كان يعبد آباؤنا، ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والوفاء بالعهد وأداء الأمانة.

قال: فقال لترجمانه حين قلت ذلك قل له: إني سألتك عن نسبه فيكم فزعمت أنه ذو نسب، وكذلك الرسل تبعث في نسب قومها، وسألتك: هل قال هذا القول أحد منكم قبله؟ فزعمت أن لا، فقلت: لو كان أحد منكم قال هذا القول قبله قلت رجل يأتم بقول قد قيل قبله، وسألتك: هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فزعمت أن لا؛ فعرفت أنه لم يكن ليدع الكذب على الناس ويكذب على الله، وسألتك: هل كان من آبائه من ملك، فزعمت أن لا، فقلت: لو كان من آبائه ملك قلت يطلب ملك آبائه، وسألتك: أشراف الناس يتبعوه أو ضعفاؤهم؟ فزعمت أن ضعفاءهم اتبعوه وهم أتباع الرسل، وسألتك: هل يزيدون أو ينقصون؟ فزعمت أنهم يزيدون، وكذلك الإيمان حتى يتم، وسألتك: هل يزيد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ فزعمت أن لا، وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب لا يسخطه أحد، وسألتك: هل يغدر؟ فزعمت أن لا، وكذلك الرسل لا يغدرون، وسألتك: هل قاتلتموه وقاتلكم؟ فزعمت أن قد فعل، وأن حربكم وحربه يكون دولا يدال عليكم المرة وتدالون عليه الأخرى، وكذلك الرسل تبتلى وتكون لها العاقبة، وسألتك: ماذا يأمركم به؟ فزعمت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، وينهاكم عما كان يعبد آباؤكم، ويأمركم بالصلاة، والصدق، والعفاف، والوفاء بالعهد، وأداء الأمانة، وهذه صفة نبي قد كنت أعلم أنه خارج، ولكن لم أظن أنه منكم، وإن يكن ما قلت حقا فيوشك أن يملك موضع قدمي هاتين، ولو أرجو أن أخلص إليه لتجشمت لقيه، ولو كنت عنده لغسلت قدميه.

قال أبو سفيان: ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر به فقرئ، فإذا فيه: " بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى، أما بعد، فإني [ ص: 380 ] أدعوك بداعية الإسلام أسلم تسلم، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين، وإن توليت فعليك إثم الأريسيين و
يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون قال أبو سفيان: فلما أن قضى مقالته علت أصوات الذين حوله من عظماء الروم وكثر لغطهم، فلا أدري ما قالوا، وأمر بنا فأخرجنا، فلما أن خرجت مع أصحابي وخلوت بهم قلت لهم: لقد أمر أمر ابن أبي كبشة، هذا ملك بني الأصفر يخافه وقال أبو سفيان: والله ما زلت ذليلا مستيقنا بأن أمره سيظهر حتى أدخل الله قلبي الإسلام وأنا كاره.


لفظ حديث إبراهيم بن حمزة.

رواه البخاري في الصحيح عن إبراهيم بن حمزة، وأخرجه مسلم من حديث يعقوب بن إبراهيم بن سعد، عن أبيه.

التالي السابق


الخدمات العلمية