فقلت: رأيت جميع الناس على طريق رحب سهل لاحب , والناس على الجادة منطلقين , فبينا هم كذلك إذ أشفى ذلك الطريق على مرج لم تر عيني مثله يرف رفيفا يقطر ماؤه من أنواع الكلإ.
قال: فكأني بالرعلة الأولى حين أشفوا على المرج كبروا ثم أكبوا رواحلهم في الطريق فلم يظلموه يمينا ولا شمالا.
قال: " فكأني أنظر إليهم منطلقين، ثم جاءت الرعلة الثانية وهم أكثر منهم أضعافا فلما أشفوا على المرج كبروا ثم أكبوا رواحلهم في الطريق منهم المرتع , ومنهم الآخذ الضغث ومضوا على ذلك.
قال: ثم قدم عظم الناس، فلما أشفوا على المرج كبروا وقالوا: هذا خير المنزل , فكأني أنظر إليهم يميلون يمينا وشمالا، فلما رأيت ذلك لزمت الطريق حتى أتي أقصى المرج فإذا أنا بك يا رسول الله على منبر فيه سبع درجات , وأنت في أعلاها درجة , وإذ عن يمينك رجل آدم شثل أقنى، إذا هو تكلم يسمو فيفرع الرجال طولا , وإذا عن يساره رجل [ ص: 38 ] ربعة تار أحمر كثير خيلان الوجه كأنما حمم شعره بالماء , إذا هو تكلم أصغيتم له إكراما له , وإذا أمامكم رجل شيخ أشبه الناس بك خلقا ووجها , كلكم تؤمونه تريدونه وإذا أمام ذلك ناقة عجفاء شارف , وإذا أنت يا رسول الله كأنك تبعثها.
قال: فانتقع لون رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعة، ثم سري عنه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما ما رأيت من الطريق السهل الرحب اللاحب فذاك ما حملتكم عليه من الهدى، وأنتم عليه، وأما المرج الذي رأيت فالدنيا وغضارة عيشها , مضيت أنا وأصحابي لم نتعلق منها ولم تتعلق منا، ولم نردها، ولم تردنا , ثم جاءت الرعلة الثانية من بعدنا وهم أكثر منا أضعافا فمنهم المرتع , ومنهم الآخذ الضغث ولجوا على ذلك , ثم جاء عظم الناس فمالوا في المرج يمينا وشمالا , فإنا لله وإنا إليه راجعون، وأما أنت فمضيت على طريقة صالحة , فلن تزال عليها حتى تلقاني , وأما المنبر الذي فيه سبع درجات وأنا في أعلاها درجة فالدنيا سبعة آلاف سنة أنا في آخرها ألفا , وأما الرجل الذي رأيت على يميني الآدم الشثل فذلك موسى عليه السلام إذا تكلم يعلو الرجال بفضل كلام الله إياه , والذي رأيت من التار الربعة الكثير خيلان الوجه , كأنما حمم شعره بالماء , فذاك عيسى ابن مريم نكرمه لإكرام الله إياه , وأما الشيخ الذي رأيت أشبه الناس بي خلقا ووجها فذلك أبونا إبراهيم كلنا نؤمه ونقتدي به , وأما الناقة التي رأيت ورأيتني أبعثها فهي الساعة علينا تقوم لا نبي بعدي ولا أمة بعد أمتي" قال: فما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رؤيا بعد هذا إلا أن يجيء الرجل فيحدثه بها متبرعا.