صفحة جزء
ذكر الفصل بين الشفع والوتر

اختلف أهل العلم في الفصل بين الشفع والوتر؛ فرأت طائفة أن يفصل بينهما، وممن فعل ذلك ابن عمر، كان يسلم بين الركعة والركعتين من الوتر حتى يأمر ببعض حاجته، وكان معاذ بن أبي حليمة القاري يسلم من الثنتين في الوتر، وبه قال عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة، ومالك، والشافعي، وأحمد وإسحاق، وأبو ثور.

2644 - أخبرنا الربيع، قال: أخبرنا الشافعي، قال: أنا مالك، عن نافع، أن ابن عمر كان يسلم بين الركعة والركعتين من الوتر حتى يأمر ببعض حاجته.

وحكى أبو ثور عن الكوفي أنه قال: لا يفصل بين الركعة والركعتين بسلام، ولا يكون الوتر ركعة.

وقال أبو ثور: الوتر في اللغة هو: الواحد المفرد، والشفع هو الشيء المجتمع.

وقال الأوزاعي في الفصل بين الركعتين والركعة الآخرة: إن فصل فحسن وإن تركه لم يفصل فحسن [ ص: 183 ]

وكان مالك يقول فيمن نسي أن يسلم بين الركعتين اللتين قبل الوتر وبين الوتر حتى استوى قائما للثالثة وهو ممن يفصل - قال: إن ذكر قبل أن يركع جلس، ثم سلم، وسجد سجدتي السهو بعد السلام، وإن لم يذكر حتى يركع فليمض، ويسجد سجدتي السهو قبل السلام؛ لأنه يقضي ما لا يستطيع قضاءه في هذا الموضع. ابن وهب عنه.

وقال ابن وهب : قال مالك في الإمام الذي يوتر بالناس في رمضان بثلاث لا يسلم بينهن: أرى أن يصلي خلفه بصلاته ولا يخالفه، وقال ابن القاسم: قال مالك: لا يخالفه؛ إن سلم فيسلم، وإلا فلا يسلم.

قال مالك: ولقد كنت أنا أصلي معهم مرة فإذا كان الوتر انصرفت ولم أوتر معهم.

قال أبو بكر: أوتر معهم ولا أخالفهم، ولا أحب أن أنصرف ولا أوتر معهم؛ لحديث أبي ذر.

2645 - حدثنا داود بن أبي هند، قال: ثنا الوليد بن عبد الرحمن الجرشي، قال: حدثني جبير بن نفير الحضرمي، قال: ثنا أبو ذر، قال: صمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رمضان، فلم يقم بنا حتى بقي من الشهر سبع، فلما كانت الليلة الثالثة قام بنا حتى ذهب نحو من ثلث الليل، ثم لم يقم بنا الرابعة وقام الخامسة حتى بقي نحو من نصف الليل، فقلنا: يا رسول الله، لو نفلتنا بقية ليلتنا هذه، فقال: "إن الرجل إذا قام مع الإمام حتى ينصرف كتبت له بقية ليلته"، ثم لم يقم بنا في السادسة وقام في السابعة، وبعث إلى نسائه وأهله، واجتمع الناس، فقام بنا حتى [ ص: 184 ] خشينا أن يفوتنا الفلاح، قال: قلت: وما الفلاح؟ قال: السحور.

قال أبو بكر: في قوله: "إن الرجل إذا قام مع الإمام حتى ينصرف كتبت له بقية ليلته" دليل على أن الصلاة في الجماعة مع الإمام في شهر رمضان أفضل من صلاة المنفرد، مع ما يدل عليه قوله: "صلاة الجميع تفضل صلاة الفذ [بخمس] وعشرين درجة"، ويدل على ترك مخالفة الإمام إن أوتر بثلاث، ولقوله: "إنما جعل الإمام ليؤتم به"، فنحن وإن كنا نرى الوتر ركعة فقد قال غيرنا: يوتر بثلاث، وليس يشق إذا فعل الإمام ذلك أن يتبع، وهو أحب إلي - للحديث الذي ذكرت - من الانصراف قبله.

قال أبو بكر: وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوتر بخمس لم يجلس إلا في آخرهن، وأوتر بسبع، وثبت أنه أوتر بتسع لا يقعد فيهن إلا عند الثامنة، ثم قعد في التاسعة، فبأي فعل مما جاء به الحديث من أفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الوتر، فعله رجل فقد أصاب السنة، غير أن الأكثر من الأخبار والأعم منها أنه سئل عن صلاة الليل فقال: "مثنى مثنى، فإذا خفت الصبح فأوتر بواحدة"، وإن شاء المصلي، صلى ركعتين ركعتين، وإذا أراد أن يوتر بثلاث صلى ركعتين، قرأ في الأولى منها بـ ( سبح اسم ربك الأعلى ) ، وفي الثانية بـ ( قل يا أيها الكافرون ) ، ثم يسلم ويأتي بالركعة الثالثة، ويقرأ فيها ( قل هو الله أحد ) والمعوذتين [ ص: 185 ]

2646 - أخبرنا حاتم بن منصور، أن الحميدي حدثهم، قال: حدثنا بشر بن بكر، قال: ثنا الأوزاعي، عن أسامة بن زيد، عن زبان قال: حدثني عمر بن عبد العزيز عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في الحجرة وأنا في البيت، وكان يفصل بين الشفع والوتر بكلام يسمعناه.

2647 - حدثنا يحيى بن محمد، قال ثنا عبد الرحمن بن المبارك العيشي، قال: ثنا قريش - يعني ابن حيان - قال: ثنا بكر بن وائل، عن الزهري، عن عطاء بن يزيد الليثي، عن أبي أيوب الأنصاري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الوتر حق وليس بواجب، فمن أحب أن يوتر بخمس فليفعل، ومن أحب أن يوتر بثلاث فليفعل، ومن أحب أن يوتر بواحدة فليفعل". [ ص: 186 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية