صفحة جزء
ذكر توبة الغال وما يصنع بما غل

أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم على أن على الغال يرد ما غل إلى صاحب المقسم إذا وجد السبيل إليه، ولم يفترق الناس.

واختلفوا فيما يفعل به إذا افترق الناس ولم يصل إليهم فقالت طائفة: يدفع إلى الإمام خمسه ويتصدق بالباقي .

6051 - حدثنا موسى بن هارون، حدثنا العباس بن محمد القنطري قال: حدثنا مبشر، عن صفوان بن عمرو، عن حوشب قال: غزا [الناس] زمن معاوية وعليهم عبد الرحمن بن خالد بن الوليد فغل رجل من المسلمين مائة دينار رومية، فلما انصرف الناس قافلين ندم الرجل فأتى عبد الرحمن بن خالد فقال: إني غللت مائة دينار فاقبضها مني، قال: قد افترق الناس فلن أقبضها منك حتى تأتي الله بها يوم القيامة، فدخل على معاوية فذكر له أمرها، فقال معاوية: مثل ذلك. فمر بعبد الله بن الشاعر السكسكي وهو يبكي فقال: ما يبكيك؟ قال: [ ص: 59 ] كان من أمري كذا كذا، فإنا لله وإنا إليه راجعون، قال: أمطيعي أنت؟ قال: نعم، قال: ارجع إلى معاوية فقل له: اقبض مني خمسك، فادفع إليه عشرين دينارا، وانظر إلى الثمانين الباقية، فتصدق بها عن ذلك الجيش، فإن الله - عز وجل - يقبل التوبة، والله أعلم بأسمائهم ومكانهم ففعل ذلك الرجل، فبلغت معاوية فقال: أحسن; لأن أكون أفتيته بها أحب إلي من كل شيء أملك .

قال أبو بكر: وممن قال يتصدق به الحسن البصري، والزهري، ومالك، والأوزاعي، وسفيان الثوري، وقال الليث بن سعد : يدفع خمس ما (غل) في بيت مال المسلمين ويتصدق بما بقي عن جميع من كان معه، وقد روينا عن ابن مسعود ; أنه رأى أن يتصدق بالمال الذي لا يعرف صاحبه، وروينا معناه عن ابن عباس .

6052 - حدثنا إسحاق بن إبراهيم، عن عبد الرزاق، عن الثوري وإسرائيل، عن عامر بن شقيق، عن أبي وائل شقيق بن سلمة قال: اشترى عبد الله بن مسعود من رجل جارية بستمائة أو سبعمائة فنشده أو نشده سنة، ثم خرج بها إلى السدة، فتصدق بها من درهم ودرهمين عن ربها، فإن جاء خيره فإن اختار الأجر كان له الأجر، وإن اختار ماله كان ماله، ثم قال ابن مسعود : هكذا فافعلوا باللقطة . [ ص: 60 ]

6053 - حدثنا محمد بن علي، حدثنا سعيد، حدثنا أبو الأحوص، حدثنا عبد العزيز بن رفيع، قال: أخبرني أبي أنه ابتاع من رجل ثوبا بمكة فقبضت منه الثوب فانطلقت به لأنقده الثمن، فضل مني في زحام الناس فطلبته فلم أجده، فأتيت ابن عباس فذكرت ذلك له قال: إذا كان من العام المقبل فانشد الرجل في المكان الذي اشتريته، فإن قدرت عليه وإلا فتصدق بها، فإن جاء بعد فخيره فإن شاء كانت له الصدقة، وإن شاء أعطيته الدراهم وكانت لك صدقة .

وقد روينا مثل هذا عن شريح، والنخعي، وغيرهما، وقال أحمد: في الحبة والقيراط يبقى على الرجل للبقال ولا يعرف موضعه؟ قال: يتصدق به .

قال أبو بكر: وقال بعض أهل العلم في مثل هذا: يوقفه أبدا حتى يأتي رب الشيء أو من ورث الشيء عنه، لا يجوز أن يتصدق به لاحتمال أن يأتي صاحبه يوما ما، وكان الشافعي يقول: " فيمن فضل في يده من الطعام شيء قل أو كثر، فخرج من دار العدو، لم يكن له [ ص: 61 ] أن يبيعه، وعليه أن يرده إلى الإمام فيكون في المغنم، فإن لم يفعل حتى يفترق الجيش فلا يخرجه منه أن يتصدق به، ولا بأضعافه، كما لا يخرجه من حق واحد ولا جماعة إلا تأديته إليهم، فإن قال: لا أجدهم، فهو يجد الإمام الأعظم الذي عليه تفريقه فيهم، ولا أعرف لقول من قال: يتصدق بها وجها، فإن كان مالا له فليس عليه صدقة، وإن كان مالا لغيره، فليس له الصدقة بمال غيره .

قال أبو بكر: ما قاله أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعوام أهل العلم أولى .

التالي السابق


الخدمات العلمية