صفحة جزء
ذكر الأخبار المفسرة لهذه الأخبار الدالة على أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أعطى تلك العطايا من نصيبه من الخمس لا من جملة الغنيمة

6133 - حدثنا علي بن عبد العزيز، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن أيوب، قال: حدثنا إبراهيم بن سعد، عن محمد بن إسحاق، قال: فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة، عن محمود بن لبيد، عن أبي سعيد الخدري، قال: لما أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم من تلك العطايا في قريش، وقبائل العرب، ولم يكن في الأنصار منها شيء، وجد هذا الحي من الأنصار في أنفسهم، حتى كثرت فيهم المقالة، حتى قال قائلهم: لقي والله رسول الله قومه، فدخل [ ص: 145 ] عليه سعد بن عبادة، فقال: يا رسول الله! إن هذا الحي من الأنصار قد وجدوا عليك في أنفسهم لما صنعت من هذا الفيء الذي أصيب قسمت في قومك، فأعطيت عطايا عظاما في قبائل العرب، ولم يكن في هذا الحي من الأنصار شيء. قال: "فأين أنت من ذلك يا سعد؟" ، فقال: يا رسول الله! ما أنا إلا امرؤ من قومي. قال: "فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة" .

قال: فخرج سعد، فجمع الأنصار في تلك الحظيرة، فجاء رجال من المهاجرين فتركهم، فدخلوا، وجاء آخرون فردهم، فلما اجتمعوا أتاه سعد فقال: قد اجتمع لك هذا الحي من الأنصار. قال: فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحمد الله، وأثنى عليه بالذي هو أهله، ثم قال: "يا معشر الأنصار! ما قالة بلغتني عنكم، ووجدة وجدتموها في أنفسكم، ألم آتكم ضلالا، فهداكم الله بي، وعالة فأغناكم الله، وأعداء فألف الله بين قلوبكم" ؟ قالوا: بلى، الله ورسوله أمن وأفضل. قال: "ألا تجيبوني يا معشر الأنصار؟" قالوا: وبما نجيبك يا رسول الله، ولله ولرسوله المن والفضل. قال: "أما والله لو شئتم لقلتم، ولصدقتم، ولصدقتم، أتيتنا مكذبا فصدقناك، ومخذولا فنصرناك، وطريدا فآويناك، وعائلا فآسيناك، أوجدتم في أنفسكم يا معشر الأنصار! في لعاعة من الدنيا تألفت بها قوما ليسلموا، ووكلتكم إلى إسلامكم، أفلا ترضون يا معشر الأنصار! أن يذهب الناس بالشاء والبعير، وترجعون برسول الله صلى الله عليه وسلم في رحالكم، فوالذي نفس محمد بيده، أن لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار، ولو سلك الناس شعبا، وسلك الأنصار شعبا، لسلكت شعب الأنصار، اللهم ارحم الأنصار، وأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار". قال: فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم، وقالوا: رضينا [ ص: 146 ] (برسول) الله صلى الله عليه وسلم قسما وحظا، ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفرقوا"
قال أبو بكر: وروى هذا الحديث .

6134 - أحمد بن عبدة، عن وهب بن جرير، عن أبيه، عن ابن إسحاق، عن عاصم بن عمر، عن محمود بن لبيد، عن أبي سعيد الخدري، قال: لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من العطايا التي أعطى الناس، ولم يعط الأنصار من تلك الخواص شيئا، فتكلمت الأنصار...

وقد احتج بعض أصحابنا ممن قال: بأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أعطى من أعطى من تلك العطايا من نصيبه من الخمس بقوله: "لو كان عدد هذه العضاه نعما لقسمتها بينكم" .

6135 - حدثنا إسحاق، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهري، عن عمر بن محمد بن جبير بن مطعم، عن محمد بن جبير بن مطعم، أن أباه، أخبره أنه بينا هو يسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مقفله من حنين، علقه الأعراب يسألونه، فاضطروه إلى سمرة، فخطفت رداءه، وهو على راحلته، فوقف فقال: "ردوا علي ردائي، أتخشون علي البخل، فلو كان عدد هذه العضاه نعما، لقسمته بينكم، ثم لا تجدوني بخيلا، ولا جبانا، ولا كذابا" . [ ص: 147 ]

واحتج بقوله: "ما لي مما أفاء الله عليكم، إلا الخمس، والخمس مردود فيكم"، وفي حديث عمرو بن شعيب ما دل على هذا حين استوهبه رجل كبة من شعر، فقال: "أما نصيبي ونصيب بني هاشم فلك" ، ففي هذا بيان على أن تلك العطايا إنما كانت من نصيبه من الخمس، ودل حديث عبد الله بن عمرو على مثل ذلك.

6136 - حدثنا محمد بن إسماعيل، قال: حدثنا عفان، قال: حدثنا حماد بن سلمة، قال: أخبرنا محمد بن إسحاق، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده عبد الله بن عمرو، قال: شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاءته وفود هوازن، فقالوا: يا محمد! إنا أصل وعشيرة، وقد نزل بنا من البلاء ما لا يخفى عليك، فامنن علينا من الله عليك، فقال: "اختاروا من نسائكم، وأبنائكم، وأموالكم" ، فقالوا: خيرتنا بين أحسابنا وأموالنا، بل نختار نساءنا، وأبناءنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم" ، وقال المهاجرون: أما ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالت الأنصار: أما ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقام عيينة بن بدر، فقال: أما أنا وبنو فزارة فلا. فقال الأقرع بن حابس: أما أنا وبنو تميم فلا. وقال العباس بن مرداس السلمي. أما أنا وبنو سليم فلا. فقالت بنو سليم: كذبت بل هو لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناس ردوا عليهم نساءهم، فمن تمسك بشيء من هذا الفيء فإن له به علينا ستة فرائض من أول شيء يفيئه الله علينا" . [ ص: 148 ]

قال أبو بكر: ففي هذا الحديث دليل على أن العطايا التي أعطاها القوم من حصته، يدل على ذلك أنه لما استطاب أنفس القوم فيما صار لهم من السبي، وعوض من تمسك منه بشيء، دل على أنه لم يكن ليعطي مما هو ملك لغيره إلا بطيب أنفس أصحابها، والله أعلم كما فعل ذلك في السبي . [ ص: 149 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية