صفحة جزء
ذكر اختلاف أهل العلم في قسم أشياء مما يغنم مما يختلف في بيعها

اختلف أهل العلم في المصحف من مصاحف المسلمين يوجد في المغانم، فكان الثوري، والأوزاعي يقولان: إن لم يوجد صاحبه جعل في المغانم فبيع .

وفي قول الشافعي : إذا علم أنه مما أخذ من المسلمين يوقف ولا يدخل في المقاسم حتى يأتي صاحبه .

وكذلك نقول، وقد ذكرت اختلاف أهل العلم في بيع المصاحف في كتاب البيوع .

وقال الأوزاعي في المصحف من مصاحف الروم يصاب في بلادهم: يدفن أحب إلي، قلت: ولا ترى أن يباع؟ قال: كيف وفيه شركهم. وقال الثوري: أتعلم ما فيه؟ قلت: لا. قال: فكيف يباع؟!

وقال الشافعي : ما وجد من كتبهم فهو مغنم كله، وينبغي للإمام أن يدعو من يترجمه، فإن كان علما من طب أو غيره لا مكروه فيه، باعه كما يبيع ما سواه من المغانم، وإن كان كتاب شرك، شقق الكتاب، وانتفعوا بأوعيته وأداته فباعها، ولا معنى لتحريقه أو دفنه قبل أن يعلم ما هو .

واختلفوا في الفرس يوجد موسوما عليه حبيسا في سبيل الله فكان الأوزاعي يقول: أحب إلي أن يحمل الإمام عليه رجلا فيكون عنده حبيسا كما كان، وقد كان قبل ذلك سئل عنه فقال مثل ذلك . [ ص: 212 ]

وقال سفيان الثوري : يقسم ما لم يوجد صاحبه، فإن جاء وقد قسم أخذه بالثمن .

قال أبو بكر: وفي قول الشافعي : إذا علم أنه حبيس يرد كما كان، وقال أحمد: إن عرف صاحبه رد عليه، وإلا حبس كما كان، وقيل للأوزاعي: فأصابوا سيفا حبيسا؟ قال: ليس السيف مثل الفرس; لأن السيف ربما تبايعه القوم وهو كذاك .

قال أبو بكر: لا فرق بين السيف والفرس إذا علم أنه حبيس، يرد كما كان .

واختلفوا في الكلب يصاب، فكان الأوزاعي يقول: الكلب لا يباع في مقاسم المسلمين، الكلب لمن أخذه. وكان الشافعي يقول: ما أصيب من الكلاب فهو مغنم إن أراده أحد للصيد، أو ماشية، أو زرع، وإن لم يكن من الجيش أحد يريده لذلك، لم يكن له حبسه; لأن من اقتناه لغير هذا كان آثما، ورأيت لصاحب الجيش أن يخرجه فيعطيه أهل الأخماس من الفقراء والمساكين، ومن ذكر معهم، إن أراده أحد منهم لزرع، أو ماشية، أو صيد، فإن لم يرده قتله، أو خلاه ولا يكون له بيعه .

وقال أحمد في كلب الصيد: لا يجعل في فيء المسلمين ثمن الكلب . [ ص: 213 ]

قال أبو بكر: هذا موافق قول كل من نهى عن بيع الكلب، وكره ثمنه .

6197 - حدثنا يحيى بن محمد، حدثنا مسدد، حدثنا يحيى، عن عبد الملك، عن عطاء، عن أبي هريرة، قال: كنا نكره مهر البغي، وثمن الكلب، وقال: هو من السحت .

قال أبو بكر: وكره ثمن الكلب الحسن البصري، والحكم، وحماد .

قال أبو بكر: وقياس قول من رخص في ثمن كلب الصيد، أن يقسم ما كان من كلاب الصيد .

6198 - حدثنا علي بن عبد العزيز، حدثنا أبو نعيم، حدثنا حماد، عن أبي الزبير، عن جابر، أنه نهي عن ثمن الكلب، والسنور، إلا كلب صيد .

ورخص في ثمن الكلب إبراهيم النخعي، وعطاء بن أبي رباح، وإسحاق بن راهويه، واحتج بأن عثمان قضى بثمنه على قاتله .

وكان مالك يكره أثمان الكلاب كلها، ويرى على من قتل كلب صيد، أو ماشية قيمته، وكان النعمان يرى بيع الكلاب كلها، ويوجب على قاتلها الغرم .

وقال مالك في كلب كثرت قيمته، وذكروه بالغناء في السبع: فرآه إلى صاحب المقاسم . [ ص: 214 ]

قال أبو بكر: لا يجوز بيع الكلاب ولا يقسم إن وقع في المغانم، ولكن الإمام يعطي ما كان منه مما يجوز الانتفاع به من شاء من أصحاب المقاسم، وإنما منعنا من قسمته نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب فذلك على العموم.

6199 - أخبرنا الربيع، قال: أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، عن أبي بكر بن عبد الرحمن، عن أبي مسعود الأنصاري، أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب، ومهر البغي، وحلوان الكاهن .

واختلفوا في الهر يوجد في المغانم، فكان الأوزاعي يقول: لا يباع; لأن ثمنه مكروه .

6200 - حدثنا موسى، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا وكيع، عن حماد، عن أبي المهزم، عن أبي هريرة، وعن أبي الزبير، عن جابر ; أنهما كرها ثمن الهر .

وقد روينا عن مجاهد، وطاوس، وجابر بن زيد، أنهم كرهوا بيع السنور . [ ص: 215 ]

6201 - حدثنا إبراهيم (بن محمد) بن إسحاق، حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا حماد بن سلمة، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن السنور .

ورخصت طائفة في بيع السنور، وقياس قول من رخص في بيعه أن يبيعه صاحب المقاسم، ويضم ثمنه إلى أثمان سائر الأشياء، ويقسم ذلك .

6202 - حدثنا الربيع بن سليمان، حدثنا حجاج الأزرق، حدثنا عبيد الله، عن عبد الكريم، عن قيس بن حبتر، عن ابن عباس، أنه لم يكن يرى بثمن السنور بأسا .

ورخص في ثمن الهر الحسن البصري، وابن سيرين، والحكم، وحماد، ومالك، والثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأصحاب الرأي .

قال أبو بكر: فأما الصقر، والبازي والعقاب، فبيعها جائز، وقسم أثمانها، كما يجوز بيع (الحمر) ، والبغال وإن لم يجز أكلها، [ ص: 216 ] وهذا على مذهب سفيان الثوري، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وإسحاق .

وكان الشافعي يقول في الخنازير: إذا كانت تعدو يقتلها، وإن أصابوا في بلاد الحرب خمرا في خوابي، أو زقاق، أهراقوا الخمر، وانتفعوا بالزقاق والخوابي وطهروها، وقال: وإذا ظفروا بالكشوث انتفعوا به، قال: ولا يوقح الرجل دابته، ولا يدهن أشاعرها من أدهان العدو; لأن هذا غير مأذون له من الأكل، وإن فعل رد قيمته .

وقال الأوزاعي في القوم (يغيرون) فيوافق ذلك يوم الأضحى: قد كان المسلمون يضحون في بلاد عدوهم، فإذا كانت نسكا شاة شاة عن كل رجل، فلا أعلم بذلك بأسا .

التالي السابق


الخدمات العلمية