صفحة جزء
باب الأموال التي تجعل في سبيل الله

قد ذكرنا فيما مضى من كتاب فضائل الجهاد وفضل ارتباط الخيل والنفقة عليها وما يكتب لمرتبطها من الحسنات إذا ارتبطها احتسابا لله، وما يستحب من نفقة الخيل ويكره منه، وغير ذلك فأغنى ذلك عن إعادة ذكره، فمما لم نذكره فيما مضى: الوقت الذي يستحق فيه الغازي الفرس المحمول عليه، فروينا عن ابن عمر أنه كان إذا حمله على البعير في سبيل الله قال لصاحبه: لا تبعه حتى تخلف وادي القرى .

6334 - أخبرنا محمد بن عبد الله قال: أخبرني عبيد الله بن عمر ، ويونس بن زيد ، وغير واحد أن نافعا حدثهم، عن عبد الله بن عمر أنه كان إذا حمل على البعير في سبيل الله أو على الدابة أو على الشيء قال لصاحبه: لا تبعه ولا تملكه حتى تخلف وادي القرى من طريق الشام أو حذوه من طريق مصر ، ثم شأنك وشأنه . [ ص: 400 ]

وقد اختلف أهل العلم في معنى خبر ابن عمر ، فكان مالك يقول: يحمل الحديث - يعني: حديث ابن عمر - عندي أن لا يبعه ويتكارى ثمنه أو يشتري به سويقا أو يتقوى بثمنه في زاد أو غير ذلك من المؤن حتى يبلغ سبيل الله، وأما أحمد بن حنبل فتأول هذا الحديث على أن ابن عمر إنما فعل ذلك في ماله، وكان رأى أن المحمول عليه الفرس إنما يستحقه بعد الغزو ورأى أن ابن عمر يفعل في ماله ما أحب، وليس ذلك بواجب على من لم يفعل كفعله .

سئل أحمد عن من أعطى رجلا فرسا متى يطيب له بيعه؟ قال: إذا غزا عليه. وقد روينا عن سعيد بن المسيب أنه قال: إذا بلغ رأس مغزاه فهو له، وبه قال سالم بن عبد الله ، والقاسم بن محمد ، ويحيى بن سعيد الأنصاري ، وبه قال الليث بن سعد ، وسفيان الثوري ، وذكر الأوزاعي قول سعيد بن المسيب كالمقتدي به، وهو قول أحمد ، وقد روينا عن النخعي أنه قال في الرجل يعطى الشيء في سبيل الله فيفضل منه فضل. قال: يجعله في مثل ذلك قال: وكان الثوري وابن عون يعجبهما هذا القول، وقال مالك : من حمل على فرس في سبيل الله فلا أرى [ ص: 401 ] أن ينتفع بشيء من ثمنه في غير سبيل الله إلا أن يقال له: شأنك به ما أردت .

قال أبو بكر : إذا حمل رجل رجلا على فرس في سبيل الله فغزا عليه فهو له استدلالا بحديث عمر .

6335 - حدثنا يحيى ، حدثنا مسدد ، وقال: حدثنا يحيى ، قال: حدثنا عبيد الله بن عمر قال: حدثني نافع ، عن ابن عمر ، أن عمر حمل على فرس في سبيل الله فأخبر أنه قد وقفها يبيعها فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ابتياعها قال: "لا تبتعها ولا ترجعن في صدقتك" .

قال أبو بكر : ولما لم أعلم أحدا يقول أن من حمل على دابة في سبيل الله أن للمعطي أن يبيعه مكانه ويأخذ ثمنه وينتفع به، لم يجز أن يكون معنى الحديث ما لا أعلم أحدا يقول به، وإذا لم يجز هذا القول فإذا غزا عليه فهو مال من ماله، يصنع به ما يصنع بسائر ماله، وهذا قول أكثر أهل العلم، ومن أبى هذا القول خالف ظاهر الحديث، لأن الذي عرض الفرس للبيع إنما عرض ماله أن يبيعه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما أعلم أنه يبيعه فلم ينهه عن ذلك، دل ذلك على أنه إنما يبيع ما هو ملك له وما يجوز أن يبيعه، وكره لعمر أن يعود في صدقته .

التالي السابق


الخدمات العلمية