صفحة جزء
ذكر اختلاف أهل العلم فيما يستحلف المدعى عليه على العلم أم على البت

اختلف أهل العلم في استحلاف المدعى عليه على البت فقالت طائفة : يستحلف فيما وليه الإنسان بنفسه على البت ، وما وليه غيره استحلف على العلم ، هذا قول النخعي وبه قال الشافعي، وأحمد ، وهو قول النعمان ، وقد روينا عن عثمان بن عفان أنه عرض اليمين على ابن عمر في العبد الذي ادعى عليه فيه العيب : احلف بالله لقد بعته وما به داء تعلمه ، وقد ذكرنا إسناده فيما مضى ، وقال مروان بن الحكم لرجل يحلف لك البائع بالله ما علمت به داء ، وكان شريح يستحلف البائع في الداء الباطن على العلم ، وفي الظاهر على البت ، [ ص: 42 ] وقال بقول شريح : ابن شبرمة وابن أبي ليلى، وقال مالك بن أنس : يحلف الورثة بالله ما علمناه اقتضى شيئا ويأخذ الذي عليه ، وإن كان فيهم صغير أخذ حقه ولم يحلف إذا كبر ، ومذهب الشافعي في الكبير كما قال مالك ويستحلف هو على البتات أنه ما باع ولا وهب ثم يقضي له .

قال أبو بكر : وذاك إذا أقام البينة على دابة اعترفها ، وقالت طائفة : يستحلف الوارث وغيره على البت ، هذا قول شريح والشعبي قالا : يستحلف الوارث البتة ، وفيه قول ثالث وهو أن يستحلف الناس في الأشياء على العلم في المواريث أو الدعوى يدعيها الرجل في البيوع ، وغير ذلك ، هذا قول ابن أبي ليلى .

6581 - وروينا عن القاسم بن عبد الرحمن أنه قال : بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "لا تحملوا الناس من أيمانهم على ما يعلمون " وبه قال أبو عبيد، وقال : إن كان غير مسند .

قال أبو بكر : إن استحلف الحاكم المدعى عليه على البت فلا شيء على الحالف إذا كان صادقا عند نفسه ، ويرجع ذلك إلى العلم ، وإن استحلفه على علمه فغير جائز إعادة اليمين عليه ؛ لأن معناهما واحد ، فأما الورثة فإنما يستحلفون فيما وليه غيرهم على علمهم استدلالا بخبر الأشعث بن قيس . [ ص: 43 ]

6582 - حدثنا محمد بن إسماعيل الصائغ ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا الحارث بن سليمان العمري ، قال : حدثني كردوس الثعلبي ، عن الأشعث بن قيس الكندي ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن رجلا من حضرموت ورجلا من كندة اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أرض اليمن فقال الحضرمي : يا رسول الله ، أرضي اغتصبنيها أبو هذا . فقال للكندي : "ما تقول ؟ " قال : أقول إنها أرضي في يدي ورثتها عن أبي . فقال للحضرمي : "هل لك من بينة ؟ " قال : لا ، ولكن يحلف يا رسول الله بالله الذي لا إله إلا هو ما يعلم أنها أرضي اغتصبنيها أبوه ، فتهيأ الكندي لليمين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إنه لا يقتطع رجل مالا بيمين إلا لقي الله يوم القيامة وهو أجذم ، فردها الكندي " .

التالي السابق


الخدمات العلمية