صفحة جزء
مسائل

اختلف أهل العلم في وجوب الأيمان على الأمناء . فقالت طائفة : يستحلفون فيما يذكرون من تلف أو غيره مما يمكن أن يكونوا فيه صادقين ، روينا عن شريح أنه استحلف أمينا ، وهذا على مذهب الشافعي، وأبي ثور ، والكوفي .

وفيه قول ثان : روينا عن الحارث العكلي أنه قال : ليس على مؤتمن يمين قال هشيم - الراوي لهذا الحديث - ليس يعجبنا ذا .

6587 - حدثنا يحيى بن محمد قال : حدثنا مسدد، قال : حدثنا هشيم ، قال : حدثنا عبد الله بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "يمينك على ما يصدقك صاحبك " .

6588 - وقد روينا عن النخعي أنه قال : إذا كان المستحلف ظالما فنية الحالف ، وإذا كان مظلوما فنية المستحلف ، وكان أبو ثور ، وآخر من أصحاب الشافعي يقولان في الرجل عليه دين يخاف حبس الحاكم وهو معسر : أن له أن يحلف ما عليه حق ، واحتجا في ذلك بقوله جل وعز : ( وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة ) أي : فإذا كان الله قد أنظره [ ص: 52 ] في حال ما هو معسر فلا شيء عليه حتى يوسر ، وخالفهما جماعة من أهل العلم وممن خالفهما المزني قال : لو لم يكن عليه حق لاستحال أن ينظر بحق ليس عليه ، أتراه إذا أيسر حدث عليه حق ليس عليه ، أرأيت لو قال له : قد أبرأتك من كل حق عليك أيبرئه ذلك أم لا ؟ فإن قال : يبرئه فقد تبين أنه أبرأه من حق عليه ، فكيف يبرئه من حق ليس عليه ، ويلزم من قال ما قالا أن يقول : أبرئه من حق ليس عليه ، ولا يمكن في قولهما أن يوضع عن معسر حقا أبدا ، وإنما معنى قوله : ( فنظرة إلى ميسرة ) أي : لا يتعرض له حتى يوسر .

قال أصحاب الرأي : وإذا ادعى رجل على رجل كفالة بنفس أو مال وجحد الآخر ذلك فعلى المدعي الكفالة البينة ، وإن لم يكن له بينة فعلى المنكر اليمين ، فإن حلف برئ ، وإن نكل عن اليمين لزمته الكفالة ، وإذا أقر الكفيل بالكفالة وادعى أنه دفعه وبرئ منه ، كان الكفيل في هذا الموضع هو المدعي والمكفول له هو المدعى عليه .

قال أبو بكر : وقد اختلف في الكفالة بالنفس ، فمن رآها لازمة [ ص: 53 ] أوجب على المدعى عليه اليمين ، وكان شريح يراها جائزة ، حبس [ابنه ] عبد الله في كفالة لرجل كفل له بنفسه ، وقالت طائفة : الكفالة بالنفس غير واجبة ففي هذا القول لا يجب استحلاف المدعى عليه الكفالة إذا جحد ذلك . وقد كان الشافعي يقول : هي ضعيفة .

قال أبو بكر : ولا أعلم في الكفالة بالنفس خبرا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم يجب أن يعتمد عليه .

وكان الشافعي يقول : وإذا وجبت اليمين على رجل فحلف المدعى عليه لم يكن للحاكم أن يقبل يمينه حتى يخرج له الحكم ، فإذا خرج له الحكم باليمين استحلف . . . . واحتج بخبر ركانة أنه حلف فأعاد [ ص: 54 ] عليه وأحلفه بمثل ما حلف عليه قال : وكانت في ذلك دلالة على أن اليمين إنما يكون بعد خروج الحكم .

التالي السابق


الخدمات العلمية