صفحة جزء
وجه سادس من استعمال القرعة في دعوى الولد .

6619 - حدثنا يحيى بن محمد قال : حدثنا مسدد قال : حدثنا يحيى عن الأجلح ، عن الشعبي، عن عبد الله بن الخليل ، عن زيد بن أرقم قال : كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاء رجل من أهل اليمن فقال : إن ثلاثة نفر من أهل اليمن أتوا عليا يختصمون في ولد وقعوا على امرأة في طهر واحد . [ ص: 80 ]

فقال لاثنين منهم : طيبا بالولد لهذا . فغلبا ثم قال لاثنين منهم : طيبا بالولد لهذا . فغلبا ، ثم قال لاثنين منهم : طيبا بالولد لهذا فغلبا ، فقال : أنتم شركاء متشاكسون وإني مقرع بينكم ، فمن قرع منكم فله الولد ، وعليه لصاحبه ثلثا الدية ، فأقرع بينهم فجعله لمن قرع فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت أضراسه أو نواجذه .


قال أبو بكر : قد تكلم في هذا الإسناد وقد احتج بعض أصحابنا به .

قال أبو بكر : وقد جاءت القرعة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجوه ثمانية [ ص: 81 ] ، وقد احتج الشافعي وأبو عبيد في إثبات القرعة بآيات من كتاب الله من ذلك قصة زكريا قوله : ( وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم ) وقال : ( وإن يونس لمن المرسلين إذ أبق إلى الفلك المشحون فساهم فكان من المدحضين ) قال أبو عبيد : وقد أمر نبينا بمثل منهاجهم قال الله تبارك اسمه ( أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده ) فعمل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في غير موطن ولا اثنين ، وذكر بعض الأخبار التي ذكرناها وخبر أم سلمة .

6620 - أخبرنا حاتم بن منصور ، أن الحميدي حدثهم قال : حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم ، عن أسامة بن زيد ، عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة قال : سمعت أم سلمة تقول : كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاءه رجلان يختصمان في مواريث وأشياء قد درست ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إنما أقضي بينكم برأيي فيما لم ينزل علي فيه شيء ، فمن قضيت له بحجة أراها فاقتطع قطعة ظلما ، فإنما يقتطع بها قطعة من النار يأتي بها إسطاما يوم القيامة في عنقه " . فبكى الرجلان وقال كل واحد منهما لصاحبه : يا رسول الله حقي هذا الذي أطلب له . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا ، ولكن اذهبا فتوخيا ، ثم استهما ، ثم ليحلل كل واحد منكما صاحبه " . [ ص: 82 ]

قال أبو عبيد : قد عمل بها ثلاثة من الأنبياء يونس ، وزكريا ، ونبينا صلى الله عليه وسلم .

قال أبو بكر : والذي خالف أصحابنا في باب القرعة يزعم أن الرجلين إذا أقام كل واحد منهما البينة أن العبد له ، يقسم العبد بينهما لكل واحد منهما النصف ، وهذا عين الخطأ ؛ لأن البينتين لا يخلو أن تكون إحداهما كاذبة أو غالطة ، فأيهما كانت فقد يحكم القاضي به بينهما نصفين أنه حاكم لأحدهما بما ليس له ؛ لأن كل واحدة من البينتين إنما شهدت لصاحبها بالكل ، واخترع هو من عند نفسه حكما ثالثا خلاف ما شهدت به البينتان ، وأعطى من ليس له ، ومنع الذي له حقه أو بعض حقه فإن اعتل معتل بخبر تميم بن طرفة ، فذلك خبر غير ثابت ، لأنه مرسل ، وقد ذكرناه فيما مضى ، ولو جاز استعمال المرسل لكان مرسل سعيد بن المسيب أولى ، وقد ذكرته مع ذكري خبر تميم ، فالراد خبر سعيد اعتلالا بأنه مرسل قد دخل في مثل ما أنكره ، وفيما هو أضعف منه ، على أن القائل بخبر سعيد غير موقن بأنه أخطأ ، وقاسم الشيء بينهما نصفين موقن الخطأ ، لأنه مانع من له حق ، ومعطي من لا حق له ، لأنه غير مستعمل لما شهدت به البينة ولا حاكم لهما بدعواهما ، بل حكم بحكم ثالث لا يفارقه الخطأ فيه ، وليس في حديث تميم أن البعير الذي تنازعاه كان في أيديهما أو في يد غيرهما ، ولو ثبت الحديث لجاز أن يكون في أيديهما ، فلا يكون للقاسم الشيء الذي في غير يد المدعيين فيه حجة مع أن استعمال القرعة كالإجماع من أهل العلم فيما يقسم به بين الشركاء . [ ص: 83 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية