صفحة جزء
ذكر الأب يدعي ولد الابن

واختلفوا في أمة لرجل ولدت غلاما أو جارية فادعى أبو المولى أن الولد منه وجحد ذلك المولى والأمة ، فقالت طائفة : إن أقر الواطئ أنه وطئها وهو يعلم أن ذلك عليه حرام أقيم عليه الحد ؛ لأن وطأه حرام ، وإن كان يعذر بجهالة فعليه صداق مثلها ، ولا يثبت نسبه ، وذلك أن وطأه لم يكن على نكاح ولا وطء يمين في الظاهر ، فيلحق به الولد ، ويكون الولد عبدا لمولى الجارية وهذا قول أبي ثور .

وقال النعمان ويعقوب ومحمد : يثبت النسب منه وتكون الأمة أم ولد له ويضمن قيمتها لابنه ولا يضمن عقرها ، والولد الصغير والكبير والذكر والأنثى في ذلك كله سواء .

قال أبو بكر : واحتج أبو ثور بقول النبي صلى الله عليه وسلم : "الولد للفراش " .

وهذا لا يملك الجارية ، ولا هو تزوجها وقد علم أن وطأه أياها حرام عليه ، فإذا وطئ فهو زان ، وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم للعاهر الحجر واحتج غيره بقوله ( والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم ) الآية . [ ص: 197 ]

فإن قال قائل : إن للأب أن يأخذ من مال ابنه ما شاء فليس كما يذكر ، وقد حرم الله بينهما الزنا ، ولا يصح الخبر الذي روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "أنت ومالك لأبيك " وفي إثبات الله - جل ذكره - في كتابه للأب السدس في مال ابنه إذا مات وخلف ولدا ذكرا دليل على أن الرجل لا يملك من مال ابنه شيئا ، إذ غير جائز أن يكون مال ابنه له ، فإذا مات ابنه زال ملكه عما كان يملك بموت ابنه . هذا مستحيل ، وفي إيجاب الكوفي على الأب الواطئ قيمتها من ماله أن يحتج بقوله : "أنت ومالك لأبيك " ؛ لأن المال لو كان للأب لم يضمن وحكمه في وطئه جارية يملكها قيمتها لغير مالك هذا يستحيل .

واختلفوا في الأب يتزوج أمة ابنه برضاه أو بغير رضاه ، فولدت منه ولدا . فقالت طائفة : إن كان تزوجها بأمر الابن أو زوجها إياه ، فالنكاح ثابت ، والولد عبد للابن وذلك أن الرجل يملك أخاه هكذا قال أبو ثور .

قال : وهذا على قول مالك وأبي عبد الله يعني الشافعي .

وأخبرني الربيع قال : قال الشافعي : وإذا كان الأب فقيرا يخاف العنت ، فأراد أن ينكح أمة ابنه لم يجز ذلك له وجبر ابنه إذا كان [ ص: 198 ] واجدا على أن يعفه بإنكاح أو ملك يمين ؛ لأن الأب إذا بلغ لن يكون فقيرا غير مغني لنفسه زمنا أن ينفق عليه الابن .

وقال أصحاب الرأي : وإذا تزوج الأب أمة ابنه برضا المولى أو بغير رضاه فولدت منه وأقر بالولد ، فإن الولد يلحق به ويكون ابنه ويعتق في قول النعمان ، ولا تعتق أمه ولا تكون أمه أم ولد للأب .

وقال النعمان : النكاح مخالف للغصب ، فإذا وقع عليها غصبا ، فادعى الولد ثبت النسب ، وضمن قيمة الأم فإذا وقع عليها بنكاح ثبت نسبه منه ، وضمن المهر ولا يضمن من قيمة الأم شيئا .

وقال أبو ثور وأصحاب الرأي : وإذا ولدت الأمة عند الرجل ، فادعى الولد المولى وأبوه جميعا ، فإن الولد للمولى وتبطل دعوة الأب وتكون أم ولد للمولى . قال أبو ثور : وإذا اشترى المكاتب أمة فوقع عليها مولاه ، فجاءت بولد فادعى الولد وصدقه المكاتب لم يثبت نسبه منه ، وليس للمولى أن يأخذ من مال المكاتب شيئا ، فإن علم أن هذا لا يحل له : حد ، وإن كان لا يعلم فعليه العقر ، والأمة وولدها للمكاتب ، وليس يثبت نسبه منه .

وقال أصحاب الرأي : يثبت نسب الولد من المولى إذا ادعى المولى وصدقه المكاتب وأضمنه قيمة الولد وعقر الجارية ، فإن استحقها رجل قضى له والعقر الذي أعطى المكاتب . [ ص: 199 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية