صفحة جزء
مسائل من أبواب الشهادات

أجمع أهل العلم على أن لا شهادة للمجنون في حال جنونه ، وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الذي يجن ويفيق إذا شهد في حال إفاقته التي يعقل فيها أن شهادته مقبولة إن كان عدلا ، [ ص: 307 ] كذلك قال مالك بن أنس ، وسفيان الثوري ، والشافعي ، وأبو ثور ، وبه قال أحمد وإسحاق ، ولا أحسبه إلا مذهب أهل الكوفة .

وقال مالك في المولى عليه : إن كان عدلا جازت شهادته .

وكان الشافعي لا يرى دفع مال اليتيم إليه حتى تكون الشهادة به جائزة مصلحا لماله .

وقال الحسن في قوله : ( فإن آنستم منهم رشدا ) قال : صلاحا في دينه وحفظا لماله .

قال أبو بكر : فعلى هذا القول إن كان مستحقا للحجر عليه فشهادته غير مقبولة ، وإن كان عدلا حافظا لماله فشهادته مقبولة ، ولا يجوز أن يولى عليه .

وكان الشافعي يقول في الرجل يتخذ الغلام والجارية المغنيين إن كان يجمع عليهما ويغشى فهذا سفه ترد به شهادته ، وهو في الجارية أكثر من قبل أن فيه [سفها] ودياثة ، وإن كان لا يجمع (عليها) ولا يغشى (لها) كرهت ذلك له ، ولم يكن فيه ما ترد به شهادته ، وهكذا الذي [ ص: 308 ] يغشى بيوت الغناء ويغشاه المغنون ، وإن كان لذلك مدمنا مستغلبا عليه ، فهي منزلة سفه ترد بها شهادته ، وإن كان ذلك [يقل] منه لم ترد به شهادته ، لما وصفت من أن ذلك ليس حراما بينا .

وقال عبيد الله بن الحسن في رجل عنده جوار يغنين ويضربن عنده للبيع ولا يضرب عنده بيد وكان عدلا رأيت شهادته جائزة .

وقال أصحاب الرأي : لا تجوز شهادة صاحب الغناء الذي يخادن عليه يجمعهم ولا شهادة لنائحة .

6736 - وحدثنا علي بن عبد العزيز (قال : حدثنا أبو نعيم) قال : حدثنا حماد ، عن أبي المهزم ، عن أبي هريرة أنه كان لا يجيز شهادة أصحاب الحمر .

قال أبو بكر : وبه قال زياد ، وذكر أحمد حديث أبي هريرة فقال : لا أدري . قال إسحاق : إذا كانوا عدولا جاز; لأن في كل أهل بياعة عدلا وغير عدل ، ولكن أبا هريرة خصهم لما فيهم من الأيمان الفاجرة . وقال [ ص: 309 ] قتادة في شهادة الصناع : منهم هو بأهل أن تجوز شهادته . وقال أبو عبيد : كل صناعة كانت حلالا ، وهي منافع للناس ، فهم أسوة المسلمين في جميع أحكامهم ، وشهاداتهم يسقطها ما يسقط غيرهم ، ويجيزها ما يجيز غيرهم ، وإنما تكون المكاسب التي تبطل الشهادات أن يكون أصلها مكروها منهيا عنها مثل : مهور البغايا ، وحلوان الكاهن ، وأثمان الكلاب ، وعسب الفحل ، ومعالجة التماثيل والتصاوير التي تضاهي ذوات الأرواح ، وكسب النائحة والمغنية ، وجميع الملاهي والمعازف ، من كان من أهل الصنعة لها ، أو كان من أهل الكسب بها ، فهذه الصناعات وما أشبهها التي لا يكون أهلها عدولا أبدا .

وقد روينا عن شريح أنه كان لا يجيز شهادة صاحب حمام ، ولا صاحب حمام .

وقال أصحاب الرأي : لا تجوز شهادة من يلعب بالحمام يطيرهن ، ولا شهادة صاحب الغناء الذي يخادن عليه يجمعهم .

وكان الشافعي يقول : ومن تأكدت عليه أنه يغشى الدعوة بغير دعاء من غير ضرورة ، ولا يستحل صاحب الطعام فتتابع ذلك منه ردت شهادته ، لأنه يأكل محرما ، وإذا نثر على الناس في الفرح ، وأخذه بعض من يحضرهم لم يكن هذا مما يجرح به شهادة أحد ، وأنا أكرهه لمن أخذه ، لأنه يأخذه إما بفضل قوة ، وإما بفضل قلة حياء ، والمالك له لم يقصد به قصده ، إنما قصد به قصد الجماعة فأكرهه لأخذه ، لأنا لا نعرف حظه من حظ من قصد به بلا أذية ، وأنه خلسة وسخف . [ ص: 310 ]

قال أبو بكر : ما أكره أخذ ما أبيح لمن أخذه استدلالا بحديث عبد الله بن قرط .

6737 - حدثنا يحيى بن محمد قال : حدثنا مسدد قال : حدثنا يحيى ، عن ثور قال : حدثنا راشد بن سعد ، عن عبد الله بن لحي ، عن عبد الله بن قرط ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "أفضل الأيام عند الله يوم النحر [ثم] يوم القر " وقدم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ست بدنات أو خمس لينحرهن فطفقن يزدلفن أيتهن يبدأ بها فتكلم بكلمة خفية لم أعها فقلت : ما قال؟ فقال : "من شاء اقتطع " .

قال أبو بكر : فكل ما نثر أو أبيح في الملاك أو غيره فأخذه مباح لمن أخذه ، وإن لم يصل إليه إلا بفضل [قوة] ; لأن المبيح لهم ذلك قد علم اختلاف قواهم ، وإباحته ذلك لهم صلى الله عليه وسلم مع العلم المحيط بأن قواهم وأخذهم مختلف دليل على إباحة ذلك ، وليس في البدن الذي أباح لهم صلى الله عليه وسلم معنى إلا وهو موجود في النثار والله أعلم .

وكان عبد الملك بن يعلى يقول : لا أجيز شهادة من تقوم عليه البينة أنه ترك الجمعة ثلاث مرات . [ ص: 311 ]

وقال مالك في الذي يترك الجمعة بقرية يجمع فيها من غير مرض ولا علة : لا أرى أن تقبل شهادته .

قال أبو بكر : هكذا أقول للثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : "من ترك الجمعة ثلاث مرات تهاونا بها طبع الله على قلبه " .

التالي السابق


الخدمات العلمية