صفحة جزء
ذكر الشاهدين يشهدان فيما يوجب قتلا أو قطعا ثم يرجعان عن الشهادة

واختلفوا في الشاهدين يشهدان على رجل بقتل فقتل ، أو بقطع يد فقطعت ، ثم يرجعان عن ذلك . فقالت طائفة : عليهما إن كانا عمدا ذلك ، القود في النفس والقصاص في اليد .

6753 - حدثنا يحيى بن محمد قال : حدثنا أبو عمر [الحوضي] قال : حدثنا أبو عوانة ، عن مطرف ، عن عامر ، أن رجلين أتيا عليا برجل فقالا : إن هذا سرق ، فقطع يده بشهادتهما ، ثم جاء برجل آخر [ ص: 367 ] فقالا : إنا أخطأنا بالأول ، وإن هذا هو السارق ، فأبطل شهادتهما على الذي جاءا به ، وضمنهما دية يد الرجل الذي قطع بشهادتهما ، وقال : لو أعلم أنكما تعمدتما قطعتكما .

6754 - وحدثونا عن أبي موسى قال : حدثنا سليمان بن حرب قال : حدثنا أبو هلال قال : حدثنا قتادة ، عن خلاس ، أن رجلين أتيا عليا برجل فقالا : إن هذا سارق . قال : فقطعه ، ثم أتياه برجل آخر قالا : ليس ذاك . هو هذا ، فلم يقبل شهادتهما على هذا ، وأغرمهما دية الأول .

قال أبو بكر : وقد روينا عن الحسن مثل هذا المعنى أنه قال : إذا شهد أربعة على رجل بالزنا فرجم ، ثم رجعوا وقالوا : عمدنا . قال : يقتلون .

قال أبو بكر : وممن قال أنه إذا قال عمدت فعليه القود ، وإذا قال : أخطأت [فالدية] : ابن شبرمة ، وابن أبي ليلى ، والشافعي ، وأبو عبيد ، غير أن الشافعي يقول : الأولياء من قتل العمد بالخيار إن شاؤوا قتلوا ، وإن شاؤوا أخذوا الدية . [ ص: 368 ]

وقال الليث بن سعد في قوم شهدوا على رجل أنه سرق فقطعت يده ثم نزعوا بعد ذلك قال : كان يحيى بن سعيد يقول : عليهم العقل مع النكال الوجيع . قال الليث : ولو كان إلي الرأي لرأيت أن تقطع أيديهم ، ولكن قد مضى أمر الناس بالعقل في مثل هذا .

وقال أبو هاشم في أربعة شهدوا على رجل بالزنا ، ثم أكذب أحدهم نفسه قال : يغرم ربع الدية .

وقال أصحاب الرأي : إذا شهدا على قطع يد رجل فقضى القاضي بذلك ، ثم رجعا عن شهادتهما ، فإن عليهما الدية ، فإن رجع أحدهما فعليه نصف الدية . وسئل الأوزاعي عن رجلين شهدا على رجل بقتل فقتل ، ثم نزعا عن شهادتهما فقال : يقتلان ، وإن نزع أحدهما ضرب مائة ، وغرم نصف الدية .

وذكر لأحمد قول عكرمة وحماد في أربعة شهدوا على رجل فرجع أحدهم : أن عليه ربع الدية . فقال أحمد : كذلك . وقال الشافعي : إذا رجع الرجل عن شهادته في الزنا ، وقد رجم صاحبه ، فإن النعمان قال : يضرب الحد ، ويغرم ربع الدية . وبه يأخذ .

وقال ابن أبي ليلى : أقتله ، فإن رجع أربعتهم قتلتهم ، ولا يغرمهم الدية ، فإن رجع ثلاثة في قول أبي حنيفة ضربوا الحد وغرم كل واحد منهم ربع الدية ، وقال الشافعي : إن رجع أحدهم وقال : عمدت ، [ ص: 369 ] وعلمت أنه يقتل . قال : الأولياء بالخيار إن شاؤوا قتلوا ، وإن شاؤوا عفوا ، وإن شاؤوا أخذوا ربع الدية ، وعليه الحد ، وهكذا الشهود معه كلهم إذا رجعوا .

واختلفوا في الشاهدين يشهدان على رجل بأنه طلق زوجته ثلاثا قبل أن يدخل بها ، فيفرق الحاكم بينهما ثم يرجعان عن الشهادة ، فكان الشافعي يقول : يغرمهم الحاكم صداق مثلها دخل أو لم يدخل بها ، لأنهم حرموها عليه ، ولا ألتفت إلى ما أعطاها إنما [ألتفت إلى ما] أتلفوا عليه [فأجعل له] قيمته .

قال أبو بكر : وقد زعم المزني أن هذا ينبغي أن يكون غلطا من غير الشافعي قال : ومعنى قوله : المعروف يطرح عنه من ذلك نصف مهر مثلها إن لم يكن دخل بها . وصدق; لأن الشافعي قال في كتاب الرضاع في الكبيرة ترضع الصغار : عليها نصف مهر كل واحدة منهن .

وفي قول الكوفي : يرجع عليهما بنصف المهر ، فإن رجع أحدهما رجع عليه بربع المهر . وحكى أبو ثور عن الشافعي مثله .

وقال ربيعة في قوم شهدوا على رجل بالطلاق ، ففرق بينهما ، ثم [ ص: 370 ] رجعوا قال : يحملون الصداق ، وبه قال أبو عبيد .

وقال الأوزاعي : إذا شهدا على رجل أنه طلق امرأته ففرق بينهما ، ثم أكذبا أنفسهما ، ترد إلى زوجها ، فإن تزوجت نزعت من الزوج الآخر ، وترد إلى الأول ، ويضرب الشاهدان مائة مائة ، ويغرمان للآخر الصداق .

واختلفوا فيه إن كانا شهدا بمال يملك ، وأخرجوه من يده بشهادتهم إلى غيرهم ، فكان الشافعي يقول : أعاقبهم على عمد شهادة الزور ، [ولم] أعاقبهم على الخطأ ، ولم أغرمهم من قبل أني لو قبلت قولهم الآخر فكانوا شهدوا على دار قائمة أخرجتها فرددتها إليه ، لم يجز أن يغرمهما شيئا قائما بعينه قد أخرجته من ملك مالكه .

وفيه قول ثان : وهو أن يغرمان المال الذي شهدا به . هذا قول أصحاب الرأي .

وبه قال أحمد ، وإسحاق . وقال أصحاب الرأي : إن شهد ثلاثة نفر على رجل أن عليه ألف درهم لرجل ، فقضى بها القاضي ، ثم رجع اثنان عن الشهادة ، ضمنا نصف المال ، لأنه قد بقي نصف الشهادة ، ولو رجع أحدهما لم يضمن شيئا ، لأنه قد بقي ثم اثنان . وقال أبو عبيد : الأمر عندي أنهم لو كانوا عشرة فرجع واحد منهم كان عليه [ ص: 371 ] العشر ، ثم كذلك ما زاد أو نقص .

ولو شهد رجل وامرأتان على رجل بألف فقضى بها القاضي ثم رجعوا جميعا ، فإن النعمان قال : على النساء النصف وعلى الرجل النصف ، وإن رجع الرجل وحده ضمن نصف المال ، وإن رجعت امرأة معه كان عليها ربع المال سوى النصف ، وإن لم يرجع الرجل ورجعت امرأة واحدة فعليها الربع ، لأنه بقي ثلاثة أرباع الشهادة .

وإن شهد عشر نسوة ورجل على حق ، فقضى به القاضي ، ثم رجعوا جميعا ، فإن أبا حنيفة قال : على الرجل السدس وعلى النساء خمسة أسداس . وقال يعقوب ، ومحمد : على الرجل النصف وعلى النساء النصف; لأن النساء كلهن بمنزلة الرجل .

وقال النعمان ، ويعقوب ، ومحمد : لو رجع من النساء ثمان ، لم يكن عليهن ضمان ، لأنه قد بقي رجل وامرأتان ، ولو رجعت امرأة بعد الثمان ، كان عليها وعلى الثمان ربع المال ، لأنه بقي ثلاثة أرباع الشهادة ، ولو رجعت العاشرة ، فإن عليها وعلى النساء نصف المال ، لأنه بقي نصف الشهادة في قولهم جميعا .

قال أبو بكر : العلة في تغريم الشاهدين في العتق أنهما أزالا ملك رجل عن عبده ، وكذلك إذا شهدا بعبد لرجل أخرجاه بشهادتهما من يدي مالكه ، وأزالا ملكه عنه ، ولا فرق بين إزالة الملكين عن العبد وإخراجهما من يدي الرجلين في أن يغرم كل فريق من الشهود عما أخرجاه من ملك مالكه . [ ص: 372 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية