صفحة جزء
ذكر ميراث الغرقى والقوم يموتون لا يدرى من مات قبل

اختلف أهل العلم في توريث [الغرقى] والقوم يموتون ، لا يدرى من مات قبل .

فقالت طائفة : يورث بعضهم من بعض ، يروى هذا القول عن عمر بن الخطاب ، وعلي بن أبي طالب ، وإياس بن عبد .

6897 - حدثنا موسى قال : حدثنا أبو بكر قال : حدثنا عبدة بن سليمان ، عن ابن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن رجاء - يعني - ابن حيوة ، عن قبيصة بن ذؤيب أن طاعونا وقع بالشام ، فكان أهل البيت يموتون جميعا ، فكتب عمر أن يورث الأعلى من الأسفل ، كان الميت يموت منهم وقد وضع يده على آخر مات إلى جنبه .

6898 - حدثنا محمد بن علي قال : حدثنا سعيد قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن إبراهيم قال : سقط بيت بالشام على قوم فقتلهم ، فورث عمر بعضهم من بعض .

6899 - وحدثنا محمد قال : حدثنا سعيد قال : حدثنا أبو معاوية قال : حدثنا ابن أبي ليلى ، عن الشعبي ، عن الحارث ، عن علي أن قوما غرقوا في سفينة ، فورث علي بعضهم من بعض . [ ص: 497 ]

6900 - حدثنا ابن صالح قال : حدثنا أبو موسى قال : حدثنا عبد الصمد قال : حدثنا قتادة ، عن خلاس أن عليا ورث امرأة من زوجها انهدم عليهم بيت ، لا يدرى أيهما مات قبل الآخر ، وورثه منها النصف ، وورثها منه الربع .

6901 - حدثنا موسى بن هارون قال : حدثنا داود بن عمرو قال : حدثنا محمد بن مسلم ، عن عمرو - يعني ابن دينار - قال : سمعت أبا المنهال يقول : سمعت إياس بن عبد - صاحب النبي صلى الله عليه وسلم - يقول في قوم وقع عليهم البيت : أنه يرث بعضهم بعضا .

6902 - حدثنا علي بن الحسن قال : حدثنا عبد الله ، عن سفيان ، عن حريش البجلي ، عن أبيه ، عن علي بن أبي طالب ، أنه ورث رجلا وابنه - أو أخوين - أصيبا بصفين ، لا يدرى أيهما مات قبل الآخر فورث أحدهما من الآخر .

وممن رأى أن يورث بعضهم من بعض : عطاء بن أبي رباح ، وشريح ، والحسن ، وعبد الله بن عتبة ، وابن أبي ليلى ، والحسن بن صالح ، وشريك ، ويحيى بن آدم ، وبه قال أحمد ، وإسحاق . وحكي عن أحمد أنه احتج بحديث إياس بن [عبد] أنه قال في قوم وقع عليهم [ ص: 498 ] البيت : أنه يرث بعضهم بعضا . وكان النخعي يقول في القوم يموتون جميعا لا يدرى أيهم مات قبل ، قال : يورث بعضهم من بعض . إذا كان أخوان ولهما أم أميت أحدهما فورثته أمه الثلث وما بقي فلأخيه ، ثم مات الآخر فترث أمه الثلث من ماله خاصة سوى ما ورث من أخيه الثلث ، وما بقي فلأخيه ثم [يموتان] جميعا فترث أمهما منهما الثلث وما بقي فللعصبة .

وقالت طائفة : يرث كل واحد منهم ورثته الأحياء ، ولا يورث بعضهم من بعض ، روي هذا القول عن زيد بن ثابت .

6903 - حدثنا موسى قال : حدثنا منصور بن أبي مزاحم قال : حدثنا عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن خارجة ، أن زيد بن ثابت كان يفتي أنه من عمى موته من المتوارثين في المتالف : أن بعضهم لا يرث بعضا ، لا يرثون ولا يحجبون وارثا حيا .

قال : وقال أبو الزناد : قضى به عمر بن عبد العزيز وأنا حاضر برأي النفر الذين كان يستشيرهم . [ ص: 499 ]

6904 - حدثنا إسحاق قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا عباد بن كثير ، عن أبي الزناد ، عن خارجة بن زيد ، عن زيد بن ثابت ، أنه ورث الأحياء من الأموات ، ولم يورث الموتى بعضهم من بعض ، وكان ذلك يوم الحرة .

6905 - وأخبرنا أيضا ، عن أبي الزناد ، عن خارجة بن زيد ، أن أبا بكر قضى في أهل اليمامة مثل قول زيد بن ثابت ، ورث الأحياء من الأموات ، ولم يورث الأموات بعضهم من بعض .

وبه قال عمر بن عبد العزيز ، وقال الزهري : مضت السنة بذلك ، وكذلك قال مالك بن أنس ، والأوزاعي ، والشافعي ، وأبو ثور ، وأصحاب الرأي . واختلف في هذه المسألة عن سفيان الثوري فحكي عنه القولين جميعا .

قال أبو بكر : وتفسير قول من لا يورث بعضهم من بعض : أخوين غرقا ولأحدهما ابن وللآخر ابنة : لأن للابن جميع ما خلف أبوه ، ولابنة الآخر النصف ، وما بقي فلابن الأخ .

وتفسير قول من ورث بعضهم من بعض : كأن أخوين ماتا ، وأحدهما مولى لبني هلال ، والآخر مولى لبني سليم ، وخلف الهلالي عشرة دنانير ، وخلف السلمي مائة درهم ، فأميت الهلالي فتصير الدنانير التي تركها [ ص: 500 ] للسلمي ، ثم يميت السلمي فتصير الدراهم التي تركها لأخيه الهلالي ، ثم يميتهما فيورث كل واحد منهما ورثته الأحياء ، فتكون الدنانير التي تركها الهلالي لموالي السلمي ، والدراهم التي تركها السلمي لموالي الهلالي .

وفي القول الآخر وهو قول من لا يورث بعضهم من بعض ، تكون الدنانير التي خلفها الهلالي لمواليه من بني هلال ، والدراهم التي تركها السلمي لمواليه من بني سليم .

قال أبو بكر : وقد احتج بعض من رأى أن يورث الأحياء من الأموات ، ولا يورث الأموات بعضهم من بعض ، فإن قال : قد علمنا أن القوم قد ماتوا جميعا ، وأن الأحياء ورثتهم ، ولا نعلم يقينا أن بعضهم قد مات قبل بعض إذ أمكن أن يكونوا ماتوا معا ، فإذا ورثنا بعضهم من بعض ، فقد علمنا أنا قد ورثنا من لا ميراث له ، ومنعنا من له الميراث; لأن الأخوين إذا غرقا جميعا فقد علما أنهما قد ماتا ، ومحال أن يكون قد مات هذا قبل ذاك ومات ذاك قبل هذا ، إلا أن أحدهما إذا مات ثم مات الآخر بعده استحال أن يعود بعد حين ، ثم يموت الذي كان مات في المرة الأولى قبل صاحبه بعده ، ويموت الآخر قبله ، فلما استحال كون ذلك بطل الحكم به ، ولا نعلم في شيء من الأحكام المجمع عليها إمضاء الحكم لأحد بشيء يحيط العلم بأن ذلك لا يجب له ، ونحن لو استعملنا ما قال من خالفنا من توريث بعضهم من بعض ، أحطنا علما بأنا قد ورثنا أحدهما من صاحبه ولا ميراث له ، فلما لم يكن الحكم بهذا منصوصا في كتاب الله ، ولا في سنة رسوله ، ولا اجتمع أهل العلم عليه بطل الحكم به . [ ص: 501 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية