صفحة جزء
ذكر صفة التيمم

قال الله تعالى ( فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ) اختلف أهل العلم في كيفية التيمم فقالت طائفة: يبلغ به الوجه، واليدين إلى الآباط هكذا قال الزهري . ومن حجة الزهري حديثه الذي حدث به، عن عبيد الله، عن عمار.

532 - حدثنا إسحاق، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن عبيد الله، أن عمارا كان يحدث أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر ومعه عائشة، فهلك عقدها، فاحتبس الناس في ابتغائه، حتى أصبحوا وليس معهم ماء، فنزل التيمم، قال عمار: فقاموا فتمسحوا فضربوا أيديهم فمسحوا بها وجوههم، ثم عادوا فضربوا بأيديهم ثانية فمسحوا بها [ ص: 166 ] أيديهم إلى الإبطين أو قال إلى المناكب.

533 - حدثنا عبد الله بن أحمد، نا الحميدي، نا سفيان، نا الزهري، عن عبيد الله، عن أبيه، عن عمار قال: تيممنا إلى المناكب، وقالت طائفة: التيمم ضربتين ضربة للوجه، وضربة لليدين إلى المرفقين، هذا قول ابن عمر، والحسن، والشعبي، وسالم وروي ذلك، عن جابر.

وقال النخعي: أعجب إلي أن يبلغ به إلى المرفقين، وهذا قول مالك، والليث، وعبد العزيز بن أبي سلمة، وسفيان، [ ص: 167 ] والشافعي، وأصحاب الرأي. وقال أبو ثور : ضربتين أحب إلي.

534 - حدثنا إسحاق، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، أنه كان إذا تيمم ضرب بيده على التراب ومسح وجهه ثم ضرب ضربة أخرى، ثم مسح بهما يديه إلى المرفقين ولا ينفض يديه من التراب.

535 - حدثنا علي بن الحسن، نا عبد الله بن الوليد، عن سفيان، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، أنه قال: التيمم ضربتان ضربة للوجه، وضربة لليدين إلى المرفقين.

536 - وحدثونا عن الحسن بن عيسى، أنا ابن المبارك، أنا عزرة بن ثابت، عن أبي الزبير، عن جابر قال: سأله رجل فقال: رجل أصابته جنابة فتمعك في التراب فقال: أحسبك تحولت حمارا، ثم وضع جابر يديه في الأرض، فمسح بهما وجهه، ثم وضعهما، فمسح يديه إلى المرفقين، ثم قال: هكذا التيمم ومن حجة بعض القائلين بهذا القول أحاديث ثلاثة: أحدها حديث ابن عمر [ ص: 168 ]

537 - حدثنا سليمان بن شعيب الكيساني ، نا يحيى بن حسان، نا محمد بن ثابت العبدي، عن نافع قال: انطلقت مع ابن عمر إلى ابن عباس في حاجة، فكان من حديثه يومئذ: " أن النبي صلى الله عليه وسلم بال قال: فمر عليه رجل فسلم عليه فلم يرد السلام حتى ضرب بيديه على الحائط، ثم مسح بهما وجهه، ثم ضرب ضربة أخرى، فمسح بهما ذراعيه، ثم رد عليه السلام " .

والحديث الثاني: حديث رواه إبراهيم بن محمد، عن أبيه، عن أبي الحويرث عبد الرحمن بن معاوية، عن الأعرج، عن أبي الصمة أن النبي صلى الله عليه وسلم تيمم فمسح وجهه وذراعيه.

538 - الربيع أخبرني عن الشافعي، عن إبراهيم.

والحديث الثالث: حديث رواه الربيع بن بدر، عن أبيه، عن جده، عن أسلع قال: كنت مع النبي عليه السلام فأصابتني جنابة فقال: يا أسلع، قم فارحل لي، فقلت: أصابتني جنابة، فسكت فنزلت آية التيمم فأراني التيمم فضرب بيديه على الأرض، ثم نفضهما فمسح وجهه، ثم ضرب بيديه الأرض ثانية، فمسح ذراعيه ظاهرهما وباطنهما.

539 - حدثت بهذا الحديث، عن محمد بن يحيى، عن محمد بن عيسى، عن الربيع. [ ص: 169 ]

وقالت طائفة: التيمم ضربتين ضربة للوجه وضربة لليدين إلى الرسغين، روي هذا القول عن علي.

540 - حدثنا إسحاق، عن عبد الرزاق، عن إبراهيم بن طهمان الخراساني، عن عطاء بن السائب، عن أبي البختري، أن عليا، قال في التيمم: ضربة للوجه وضربة لليدين إلى الرسغين.

وفيه قول رابع: وهو أن التيمم ضربة واحدة للوجه، والكفين، وهذا قول عطاء، ومكحول، والشعبي .

وروي ذلك عن ابن المسيب، والنخعي، وبه قال الأوزاعي ، وأحمد، وإسحاق، واحتجت هذه الفرقة بحجج، فأعلى ما احتجت به الأخبار الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم الدالة على صحة هذا القول.

541 - حدثنا محمد بن إسماعيل، ثنا عفان، ثنا شعبة، حدثني الحكم، عن ذر، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، أنه شهد عمر جاءه رجل فسأله أنه أجنب فلم يجد الماء، فقال عمار: إنا كنا في سرية وأجنبت فتمعكت في التراب فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنما كان يكفيك هذا، فضرب عمار بيديه ونفخ فيهما ومسح وجهه وظهر كفيه [ ص: 170 ]

542 - وحدثونا عن محمد بن إسماعيل، ثنا عفان، ثنا أبان العطار، ثنا قتادة، عن عزرة، عن سعيد بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن عمار، أن النبي عليه السلام قال: التيمم ضربة للوجه والكفين.

قال أبو بكر: وأما الأخبار التي رويت، عن عمار التي فيها ذكر اختلاف أفعالهم حين نزلت آية التيمم قبل أن يأتوا النبي عليه السلام فيعلمهم صفة التيمم، فإنما فعلوه عند نزول الآية احتياطا قبل أن يأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فيعلمهم صفة التيمم فلما جاؤوه علمهم فقال لعمار: إنما كان يكفيك هذا، وفي قوله: إنما كان يكفيك هذا.

دليل على أن الفعل الذي كان منهم، كان قبل أن يعلمهم والدليل على صحة هذا القول أن عمارا علمهم بعد النبي صلى الله عليه وسلم في ولايته أيام عمر على الكوفة : التيمم ضربة للوجه والكفين.

543 - حدثنا محمد بن علي، نا سعيد، نا أبو الأحوص، نا حصين، عن أبي مالك قال: وضع عمار كفيه في التراب، ثم رفعهما فنفضهما، فمسح وجهه وكفيه مرة واحدة، ثم قال: هكذا التيمم.

544 - وحدثونا عن بندار قال: ثنا ابن أبي عدي، عن شعبة، عن حصين، عن أبي مالك، أنه سمع عمارا، يقول في خطبته: التيمم هكذا [ ص: 171 ] وضرب ضربة للوجه والكفين.

ومما احتجت به هذه الفرقة أنهم قد أجمعوا على أن عليه في التيمم أن يمسح بوجهه وكفيه، واختلفوا فيما زاد على ذلك، فثبت فرض ما أجمعوا عليه بالكتاب واختلفوا فيما زاد على الوجه، والكفين ولا يجب الفرض باختلاف ولا حجة مع قائله.

وفي تعليمه عليه السلام أصحابه صفة التيمم دليل على معنى ما أراد الله تعالى بقوله ( فامسحوا بوجوهكم وأيديكم ) ؛ لأنه المبين عن الله معنى ما أراد، قال تعالى ( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ) وقد بين لما قال لعمار: إنما كان يكفيك هذا، أن الذي فرض الله مسح الوجهين، والكفين، وقد احتج مكحول بحجة أخرى قال: لما قال الله تبارك وتعالى في الوضوء ( فاغسلوا وجوهكم وأيديكم ) ولم يستثن إلى المرافق، ثم قال ( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ) قال مكحول: فإنما تقطع يد السارق من الكف إلى المفصل.

قال أبو بكر: قد ذكرنا معاني الأخبار التي فيها ذكر تيممهم كان قبل أن يأتوا النبي عليه السلام وتعليمه إياهم، فأما الأخبار الثلاثة التي احتج بها من [ ص: 172 ] رأى أن التيمم ضربتين ضربة للوجه، وضربة لليدين إلى المرفقين، فمعلولة كلها، لا يجوز أن يحتج بشيء منها فمنها حديث محمد بن ثابت ولم يرفعه غيره، وقد دفع غير واحد من أهل العلم حديثه، قال يحيى بن معين: محمد بن ثابت ليس بشيء، وهو الذي روى حديث نافع عن ابن عمر في الضربتين، يضعف .

قال البخاري: محمد بن ثابت أبو عبد الله البصري في حديثه، عن نافع عن ابن عمر في التيمم خالفه أيوب، وعبيد الله، وابن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر أن ابن عمر فعله ، فسقط أن يكون هذا الحديث حجة، لضعف محمد في نفسه، ومخالفة الثقات له، حيث جعلوه من فعل ابن عمر.

وأما حديث إبراهيم بن أبي يحيى فقد دفعه جماعة، نهى عنه مالك، وشهد عليه يحيى وابن أبي مريم بالكذب، وقال يحيى بن سعيد: كنا نتهمه بالكذب، وتركه ابن المبارك، وتكلم فيه أحمد قال: كان يأخذ حديث الناس فيجعله في كتبه، وقال يحيى بن معين: إبراهيم ليس بثقة، كذاب رافضي، وقد كثر كلام المتكلمين في إبراهيم وقد ذكرت [ ص: 173 ] أخباره في الكتاب الذي اختصرت منه هذا الكتاب مع باقي ما في هذا الباب من الكلام، وأما حديث الربيع بن بدر فهو إسناد مجهول؛ لأن الربيع لا يعرف برواية الحديث ولا أبوه، ولا جده، والأسلع غير معروف، والاحتجاج بهذا الحديث يسقط من كل وجه.

التالي السابق


الخدمات العلمية