صفحة جزء
ذكر العبد بين الرجلين يكاتبه أحدهما دون شريكه

واختلفوا في العبد بين الرجلين يكاتبه أحدهما بغير إذن شريكه : فقالت طائفة : لا يجوز ذلك .

هذا قول مالك بن أنس ، والشافعي . [ ص: 546 ]

وكره ذلك حماد بن أبي سليمان ، وسفيان الثوري .

وقال الحسن البصري في عبد بين ثلاثة (يكاتبه) أحدهم يؤخذ منه ما أخذ منهم منه ، فيقسم بين شركائه والعبد بينهم لا يجوز كتابته .

وقال حماد بن أبي سليمان ، وداود بن أبي هند ، وحميد ، وعثمان البتي في عبد بين رجلين كاتبه أحدهما بغير إذن من صاحبه ، قالوا : ما أخذ منه فهو بينهما نصفان .

وقال مالك : الأمر المجتمع عليه عندنا في العبد يكون بين الرجلين : أن أحدهما لا يكاتب نصيبه ، أذن في ذلك صاحبه أو لم يأذن إلا أن يكاتباه جميعا ، لأن ذلك يعقد له عتقا ، ويصير إذا أدى العبد ما كوتب عليه إلى أن يعتق نصفه ، ولا يكون على الذي كاتبه أن يستتم عتقه ، وذلك خلاف لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من أعتق شركا له في عبد قوم عليه قيمة عدل" . فإن جهل ذلك حتى يؤدي المكاتب أو قبل أن يؤدي ، رد الذي كاتبه ما اقتضى من المكاتب فاقتسمه هو وشريكه على قدر حصصهما ، وبطلت [كتابته] ، وكان عبدا لهما على حاله الأول .

وكان الشافعي يقول : وإذا كان العبد بين رجلين فكاتب أحدهما نصيبه بغير إذن شريكه ، فالكتابة مفسوخة ، وما أخذ بينهما نصفان ما لم [ ص: 547 ] يؤد جميع الكتابة ، فإن أدى جميع الكتابة عتق نصف المكاتب وكان كمن ابتدأ العتق في عبد بينه وبين رجل إن كان موسرا أعتق عليه [كله] ، وإن كان معسرا عتق منه ما عتق ، ولو ردت الكتابة قبل الأداء كان مملوكا بينهما ، ولو أعتقه مالك النصف الذي لم يكاتب قبل الأداء كان نصفه منه حرا ، وإن كان موسرا ضمن النصف الباقي ، لأن الكتابة كانت فيه باطلة ولا أخير العبد ، لأن عقد الكتابة كان فاسدا ، وإن كان معسرا عتق منه ما عتق ، وكانت الكتابة بينهما باطلا ، إلا أن يشاء مالك العبد أن يجددها . وكان الشافعي يجيز أن يكاتب الشريك العبد كله بإذن شريكه فيكون الشريك وكيلا لشريكه في كتابته (بمكاتبه) كتابة واحدة فيكون بينهما نصفان .

وقال سفيان الثوري : وإذا كان العبد بين رجلين فليس لأحدهما أن يكاتبه دون صاحبه ، فإن فعل ردت مكاتبته وما أخذ منه بينهما ، الأشجعي عنه .

وقال الفريابي : سئل سفيان عن عبد بين رجلين كاتب أحدهما نصيبه قال : أكره ذلك . قيل : فإن فعل ؟ قال : أرده إلا أن يكون نقده ، وإن كان نقده ضمن شريكه نصف ما في يده ويتبع هذا المكاتب بما أخذ منه ويضمن لشريكه نصف القيمة إن كان له مال ، فإن لم يكن له مال استسعي العبد .

قال أبو بكر : وعرضت هذه المسألة من قول الثوري على أحمد بن [ ص: 548 ] حنبل ، فقال أحمد : كتابته جائزة ، إلا أن ما اكتسب المكاتب أخذ الآخر نصف ما اكتسب ولا يستسعي العبد .

قال إسحاق - كما قال سفيان : لأنا نلزم السعاية العبد إذا كان بين اثنين فأعتق أحدهما ولا مال له .

وقال النعمان في عبد بين رجلين أذن أحدهما لصاحبه أن يكاتب نصيبه وأن يقبض ففعل فكاتب نصيبه (وضمن) بعضها ثم عجز المكاتب وذلك في يد المولى القابض بعينها قال : لا يرجع شريكه في شيء وإن كان قد استهلكها الذي قبض ثم عجز لم يرجع المولى الذي لم يقبض على الذي قبض في قول أبي حنيفة .

وقال النعمان في عبد بين رجلين أذن أحدهما لصاحبه أن يكاتب نصيبه بألف ويقبض فكاتب وقبض بعض المكاتبة ثم عجز المكاتب والمال في يد الذي قبض قال : هو له .

وقال يعقوب ومحمد : هو مكاتب كله بينهما نصفان وكل ما أدى فهو بينهما (نصفين) .

وسئل الأوزاعي عن العبد بين رجلين يكاتب أحدهما والآخر غائب قال : يؤدي إلى الغائب مثل ما يؤدي إلى الذي كاتبه ، فإذا أدى ، قوم قيمة عدل ثم (سعى) في نصف قيمة الغائب وهدرت نصف القيمة عنه . قيل : [ ص: 549 ] فلمن ولاؤه ؟ قال : للأول الذي كاتبه . (قيل) : فكاتباه جميعا ثم إن أحدهما أعتق نصيبه ؟ قال : يقوم قيمة عدل ثم يضمن الذي أعتق لصاحبه نصف القيمة .

وفيه قول ثان : وهو إجازة أن يكاتب أحدهما نصيبه .

قال شعبة : سألت الحكم وحمادا عن عبد كان بين رجلين فكاتب أحدهما نصيبه فلم ير به الحكم بأسا .

وكان ابن أبي ليلى يقول في عبد بين رجلين كاتبه أحدهما بغير إذن صاحبه ولا رضاه ، فأنكر ذلك صاحبه قبل أن يؤدي المكاتب شيئا : أن المكاتبة جائزة ليس للشريك أن يردها ولو أن الشريك أعتق العبد ، فإن عتقه [باطل] في قول ابن أبي ليلى حتى ينظر ما يصنع في المكاتبة ، فإن أداها إلى صاحبها عتق فكان الذي كاتب ضامنا لنصف القيمة والولاء [كله] له .

قال أبو بكر : قد ذكرنا عن أحمد بن حنبل قوله .

التالي السابق


الخدمات العلمية