صفحة جزء
ذكر الرخصة

في الجمع بين المغرب والعشاء في السفر.

1138 - حدثنا إسحاق، قال: نا عبد الرزاق ، قال: أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن سالم، [عن] ابن عمر ، قال " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا عجل في السير جمع بين المغرب والعشاء ".

قال أبو بكر: ولعل بعض من لم يتسع في العلم، يحسب أن الجمع بين الصلاتين في السفر لا يجوز إلا في الحال التي يجد بالمسافر السير، وليس ذلك كذلك، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جمع بين الظهر والعصر وهو نازل غير سائر.

1139 - حدثنا محمد بن إسماعيل، قال: نا أبو نعيم ، قال: نا هشام، عن أبي الزبير ، عن أبي الطفيل ، عن معاذ بن جبل ، قال: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، فكان لا يروح حتى يبرد، ويجمع بين الظهر والعصر، فإذا أمسى جمع بين المغرب والعشاء".

فدل قوله "فكان لا يروح" على أنه جمع بينهما وهو نازل غير سائر، ودل على ذلك حديث مالك، عن أبي الزبير ، عن أبي الطفيل وأنا ذاكره، بعد - إن شاء الله - ، وقوله في حديث مالك عن أبي الزبير : [ ص: 124 ] "فأخر الصلاة يوما ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعا، ثم دخل ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعا" يدل على أنه جمع بين الصلاتين وهو نازل غير سائر، وليس هذا خلاف للذي ذكره ابن عمر ؛ لأن الجمع بينهما جائز نازلا وسائرا، حكى ابن عمر ما رأى من فعله، وذكر معاذ ما فعل، فأخبر كل واحد منهما كما رأى، فالجمع بين الصلاتين في السفر جائز نازلا وسائرا، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يذكر أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الجمع بين الصلاتين في السفر في حال دون حال، فيوقف عن الجمع بينهما لنهي النبي صلى الله عليه وسلم.

قال أبو بكر: قد ذكرنا الأخبار الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الدالة على جمعه بين الظهر والعصر بعرفة ، وبين المغرب والعشاء بالمزدلفة، وذكرنا جمعه في غير هذين الموضعين من أسفاره، وقد أجمع أهل العلم على القول ببعض هذه الأخبار، واختلفوا في القول بسائرها.

فمما أجمع أهل العلم على القول به، وتوارثته الأئمة قرنا عن قرن، وتبعهم الناس عليه منذ زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هذا الوقت: الجمع بين الظهر والعصر بعرفة يوم عرفة، وبين المغرب والعشاء بجمع في ليلة النحر.

واختلفوا في الجمع بين الصلاتين في سائر الأسفار، فرأت طائفة أن يجمع المسافر بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، وممن رأى ذلك سعد بن أبي وقاص ، وسعيد بن زيد، [ وأسامة بن زيد ] وابن عباس ، وابن عمر ، وأبو موسى الأشعري، وطاوس، ومجاهد، [ ص: 125 ] وعكرمة، ومالك، والشافعي ، وأحمد، وإسحاق ، وأبو ثور.

1140 - حدثنا إسحاق، عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن عاصم بن سليمان، عن أبي عثمان النهدي، قال: "اصطحبت أنا وسعد بن أبي وقاص من الكوفة إلى مكة وخرجنا موافدين، فجعل سعد يجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، يقدم من هذه قليلا [ويؤخر] من هذه قليلا حتى جئنا مكة ".

1141 - حدثنا إسحاق، عن عبد الرزاق ، عن الثوري ، عن سليمان التيمي ، عن أبي عثمان النهدي قال: خرج سعيد بن زيد وأسامة فكانا يجمعان بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء.

1142 - حدثنا علي بن عبد العزيز ، قال: نا حجاج، قال: نا حماد، عن أيوب، عن أبي قلابة ، عن ابن عباس ، قال: "إذا كنتم سائرين فنابكم المنزل، فسيروا حتى تصيبوا منزلا فتجمعوا بينهما، وإن كنتم نزولا فعجل بكم أمر، فاجمعوا بينهما ثم ارتحلوا". [ ص: 126 ]

1143 - وحدثونا عن أبي قدامة، قال: نا يحيى القطان، عن حبيب بن شهاب، قال: حدثني أبي قال: صحبت أبا موسى فكان يجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء.

1144 - حدثنا إسحاق، عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن ابن طاوس، عن أبيه، أن ابن عباس كان يجمع بين الظهر والعصر في السفر.

وكرهت طائفة الجمع بين الصلاتين إلا عشية عرفة وليلة جمع، هذا قول الحسن البصري ، ومحمد بن سيرين، وقال أصحاب الرأي: لا يجمع بين صلاتين في سفر ولا حضر في وقت إحداهما ما خلا عرفة ومزدلفة.

وفيه قول ثالث: وهو كراهية الجمع بين الصلاتين في السفر، رواه أبو العالية عن عمر بن الخطاب أن جمعا بين الصلاتين من الكبائر إلا من عذر، ومن حديث العمري، عن نافع ، عن ابن عمر أنه كان يصلي في السفر كل صلاة لوقتها.

1145 - حدثنا إسحاق، عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن أيوب، وقتادة، عن أبي العالية ، أن عمر بن الخطاب كتب إلى أبي موسى الأشعري : "اعلم أن جمعا بين صلاتين من الكبائر". [ ص: 127 ]

1146 - حدثنا إسحاق، عن عبد الرزاق ، عن عبد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر ، "أنه كان يصلي في السفر كل صلاة لوقتها".

وقال الحسن البصري : صلوا كل صلاة لوقتها. وكره مكحول الجمع بين الصلاتين في السفر، وكان الأسود بن يزيد ينزل لوقت كل صلاة، وقال النخعي: كانوا لا يجمعون في السفر، ولا يصلون إلا ركعتين.

قال أبو بكر: أما حديث عمر بن الخطاب فغير ثابت عنه لانقطاع إسناده، وليس يخلو خبر العمري، عن نافع ، [عن ابن عمر ] من أحد أمرين: إما أن يكون فعل ذلك في حال، وجمع بين الصلاتين في حال، فلا تكون صلاته كل صلاة لوقتها خلافا لجمعه بين الصلاتين، إذ كل ذلك مباح جائز فعله، أو يتحامل متحامل فيقول: إن في رواية العمري، عن نافع ، عن ابن عمر نفيا، لأن يكون ابن عمر جمع في حال وهذا يبعد؛ لأن (الذي روى) عن نافع عن ابن عمر (أنه كان يجمع بين الصلاتين) أتقن من عبد الله، وأحفظ منه للرواية، مع أن [ ص: 128 ] عبد الله إذا انفرد برواية عن نافع عن ابن عمر فليس بحجة، فإذا انفرد غيره ممن روى عن نافع عن ابن عمر أنه جمع بين الصلاتين فروايته حجة، والذين رووا ذلك عن نافع جماعة كلهم متقن لحديث نافع ضابط له، فمنهم: أيوب، وعبيد الله بن عمر، وموسى بن عقبة، ويحيى الأنصاري، [وروى] ذلك عن نافع طبقة ثانية: محمد بن إسحاق ، وعبد العزيز بن أبي رواد، وعمر بن نافع ، مع أن عبدة بن سليمان قد خالف عبد الرزاق في روايته عن [ عبد الله] بن عمر .

1147 - روى إسحاق بن راهويه عن عبدة بن سليمان، عن عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أنه جد به السير، فأخر المغرب حتى غاب الشفق، ثم نزل فجمع بينهما،.

قال أبو بكر: وبالأخبار الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقول، ولا معنى لكراهية من كره ما سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته، إذ ما قالوا من ذلك خلاف السنن الثابتة، والسنة إذا ثبتت استغني بها عن كل قول [ ص: 129 ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية