صفحة جزء
[ ص: 5 ] جماع الأبواب التي توجب الآداب

ذكر الحد في التعريض

ثابت عن عمر بن الخطاب أنه كان يحد في التعريض بالفاحشة الحد تاما .

9252 - حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، ومحمد بن الصباح ، عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، عن سالم ، عن ابن عمر أن عمر بن الخطاب كان يحد في التعريض بالفاحشة .

9253 - حدثنا موسى بن هارون قال : حدثنا محمد بن الصباح قال : أخبرنا الوليد ، عن الأوزاعي ، عن الزهري ، عن سالم ، عن أبيه ، عن عمر أنه كان يجلد الحد تاما في التعريض .

9254 - حدثنا علي بن الحسن ، قال : حدثنا عبد الله بن الوليد ، عن سفيان قال : حدثني أبو الرجال ، عن أمه عمرة : أن عمر بن الخطاب أتي في رجل ساب آخر ، فقال أحدهما : ما أبي بزان ولا أمي زانية ، فسأل عمر بن الخطاب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : مدح أباه وأمه ، فضربه عمر الحد .

وبه قال عروة بن الزبير ، ومالك بن أنس ، وأحمد بن حنبل ، [ ص: 6 ] وإسحاق ، وفرق عبد الملك الماجشون بين التعريض الذي يحد فيه والذي لا يحد فيه ، فقال : إذا قال الرجل للرجل اللين الحلقة اللين الكلام : ما أنا بلين الكلام ، وما أنا بموضع الحلقة ، وما أنا بمخنث وما أنا بمتأنث ، فإن قال : إنما أردت بقولي ما فيه اللين والتأنيث ، فهو شتم وفيه الأدب ، وإما يحنث ، فعليه اليمين ، ما أراد بها قذفا ثم عليه الأدب . وأما الذي لا يخرج به من الحد فالذي يقول للرجل : ما أنا بزان ، فعليه الحد ، وهو الذي جاء فيه الأثر عن عمر أو يقول : إني لعفيف الفرج ، وما أنا بزان ، ولا يطعن في فرجي ، فهذا كله كلام زنى فيه صاحب فعليه الحد .

قال أبو بكر : وذكر كلاما طويلا تركت ذكره هاهنا ، وتحديدات لا يرجع في شيء منها إلى حجة من كتاب ولا سنة .

9255 - وكان أحمد يقول : روى ابن أبي ذئب ، عن [الزهري ] ، عن سالم ، عن ابن عمر : أن رجلا قال : ما أنا بزان ولا أمي زانية ، فجلده عمر الحد ، ولم يقل هكذا غير ابن أبي ذئب .

وقالت طائفة : لا حد في التعريض ، وأوجبت فيه التعزير ، هذا مذهب عطاء بن أبي رباح ، وعمرو بن دينار ، وقتادة ، وسفيان الثوري ، والشافعي ، وأبي ثور ، وأصحاب الرأي . [ ص: 7 ]

وقد روينا عن سمرة بن جندب أنه قال : من عرض عرضنا له ، ومن مشى على الكلأ ألقيناه في النهر . فسره بعضهم قوله : من عرض عرضنا له بقول : عاقبناه . وقوله : من مشى على الكلأ ألقيناه في النهر يقول : من باح بالفرية حددناه .

9256 - حدثنا علي بن عبد العزيز قال : حدثنا حجاج قال : حدثنا حماد قال : أخبرنا قتادة عن الحسن ، عن سمرة وزياد قال أحدهما : من عرض عرضنا له ، ومن صرح صرحنا له . وقال الآخر : من عرض عرضنا له ، ومن ركب الكلأ قذفناه في النهر .

9257 - حدثنا علي بن الحسن قال : حدثنا عبد الله ، عن سفيان ، عن عاصم الأحول ، عن محمد بن سيرين قال : قال سمرة : من عرض عرضنا له ، ومن مشى على الكلأ ألقيناه في النهر .

قال عبد الله : قول سمرة : من عرض عرضنا له ، يقول : عاقبناه . وقوله من مشى على الكلأ ألقيناه في النهر .

يقول : من أباح بالفرية حددناه .

وقال سعيد بن المسيب : إنما الحد على من نصب الحد نصبا .

وقال عطاء : لا حد إلا في الإفصاح .

وقد روينا عن غير واحد من التابعين معنى قول هؤلاء . [ ص: 8 ]

وقد احتج الشافعي في إسقاطه الحد عن المعرض بحديث أبي هريرة .

9258 - حدثنا الربيع قال : أخبرنا الشافعي قال : أخبرنا مالك ، عن ابن شهاب ، عن ابن المسيب ، عن أبي هريرة أن رجلا من أهل البادية أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن امرأتي ولدت غلاما أسود ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : "هل لك من إبل " . قال : نعم . قال : "فما ألوانها ؟ " . قال حمر . قال : "هل فيها من أورق ؟ " قال : نعم. قال : "أنى ترى ذلك ؟ " قال : عرقا نزعه . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "فلعل هذا نزعه عرق " .

قال الشافعي : وفي هذا الحديث دلالة ظاهرة أنه ذكر أن امرأته ولدت غلاما أسود . وهو لا يذكره إلا منكرا له ، وجواب النبي صلى الله عليه وسلم وضربه له المثل بالإبل ، يدل على ما وصفت من إنكار وتهمته المرأة ، فلما لم يره النبي صلى الله عليه وسلم قذفا يحكم عليه فيه باللعان أو الحد ، إذا كان لقوله وجه يحتمل أن لا يكون أراد به القذف من التعجب ، والمسألة [عن ] ذلك لا قذف امرأته ، استدللنا على أن لا حد في التعريض وإن غلب على السامع أن المعرض أراد القذف إن كان له وجه يحتمله ، ولا حد إلا في القذف الصريح ، وذكر قول الله - تبارك [ ص: 9 ] وتعالى - : ( ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء ) قال : فأحل التعريض ، وفي إحلاله إياها تحريم للتصريح .

وكان أحمد يقول : معنى هذا الحديث : أن الرجل شك في ولده ولم يرم امرأته بشيء ، وكذلك قال إسحاق .

قال أبو بكر : من صرح بالقذف وجب عليه الحد بظاهر كتاب الله ، ومن عرض لم نجز إلزامه الحد ، إلا بحجة من كتاب أو سنة أو إجماع ، وما احتج به الشافعي حسن بين . والحجة إنما تجب على من أثبت الحد ، وليس على من قال : لا حد عليه ، حجة .

التالي السابق


الخدمات العلمية