صفحة جزء
ذكر تعظيم سفك الدماء المحرمة بغير الحق والتغليظ فيها

قال الله - جل ذكره - ( يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا ) وقال - جل ذكره - : ( ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما ) . [ ص: 35 ]

واختلف أهل العلم في توبة القاتل : فقالت طائفة : لا توبة له ، لأن الله - جل ذكره - أوجب عليه الوعيد إيجابا عاما مطلقا . وقال بعضهم : نزلت هذه الآية بعد الآية في الفرقان قوله : ( والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ) الآية ، فممن كان يرى أن لا توبة له ، و [يقول ] لم تنسخ التي في النساء شيء : ابن عباس . وقال زيد بن ثابت : نزلت الشديدة بعد الهينة أراه - قال - بستة أشهر ، ( ومن يقتل مؤمنا متعمدا ) بعد ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ) وقد روي عنه أنه قال : لقد نزلت الشديدة بعد الهينة بستة أشهر يعني بالشديدة : ( ومن يقتل مؤمنا متعمدا ) ، والهينة : التي في الفرقان ( والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ) .

قال أبو بكر : وهذه الرواية أصح الروايتين عن زيد .

9289 - حدثنا علي بن الحسن ، قال : حدثنا عبد الله بن الوليد ، عن سفيان ، عن المغيرة بن النعمان ، عن سعيد بن جبير ، قال : قال ابن عباس : ليس لقاتل المؤمن توبة . [ ص: 36 ]

9290 - حدثنا علي بن عبد العزيز ، عن أبي عبيد قال : حدثنا عبد الرحمن ، عن سفيان ، عن المغيرة بن النعمان ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ( ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم ) ما نسختها شيء .

9291 - حدثنا زكريا بن داود ، قال : حدثنا ابن أبي عمر ، قال : حدثنا سفيان ، عن عمار الدهني ويحيى الجابر ، عن سالم بن أبي الجعد ، قال : سمعت ابن عباس وسأله رجل عن رجل قتل مؤمنا متعمدا ثم تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى . قال : ويحك! وأنى له الهدى ، سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول : "يجيء المقتول يوم القيامة متعلقا بالقاتل ، تشخب أوداجه دما ، حتى ينتهي به إلى العرش فيقول : سل هذا فيم قتلني " ، ثم قال : والله لقد أنزلها الله على نبيكم فما نسخها منذ أنزلها الله على نبيكم يعني : آية القاتل : ( ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم ) الآية .

9292 - حدثنا محمد بن إسماعيل ومحمد بن علي ، قالا : حدثنا سعيد بن منصور ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن كردم أن ابن عباس وأبا هريرة وابن عمر سئلوا عن الرجل يقتل مؤمنا متعمدا ، فقالوا : هل يستطيع أن لا يموت ؟ هل يستطيع أن يبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماء أو يحييه . [ ص: 37 ]

9293 - حدثنا موسى بن هارون ، قال : حدثنا يحيى الحماني ، قال : حدثنا حماد بن يحيى الأبح ، قال : أخبرنا سعيد بن ميناء ، عن عبد الله بن عمر ، وسأله رجل فقال : إني قتلت رجلا فهل لي من توبة ؟ قال : تزود من الماء البارد فإنك لا تدخلها أبدا .

9294 - وحدثنا زكريا ، قال : حدثنا إسحاق وابن أبي عمر ، قال : حدثنا سفيان - وقال إسحاق : أخبرنا سفيان - عن أبي الزناد قال : سمعت شيخا يحدث خارجة بن زيد بن ثابت يقول : سمعت أباك زيد بن ثابت في هذا المكان يقول : لقد نزلت الشديدة بعد الهينة بستة أشهر يعني قوله ( ومن يقتل مؤمنا متعمدا ) الآية ، واللينة التي في الفرقان : ( والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ) الآية .

وكان الضحاك يقول في قوله ( ومن يقتل مؤمنا متعمدا ) قال : ليس له توبة ولم ينسخها من القرآن شيء .

وقالت طائفة : هي جزاؤه فإن شاء الله عذبه ، وإن شاء غفر له . روي هذا القول عن ابن عباس منقطع والرواية الأولى عنه ثابتة . [ ص: 38 ]

وقال مجاهد : لقاتل المؤمن توبة .

وقال أبو مجلز : (هو جزاؤه أو يتجاوز عنه) .

9295 - (حدثنا يحيى بن محمد بن يحيى ، قال : حدثنا محمد بن أبي صفوان البصري ، قال) : حدثنا محمد بن أبي عدي ، عن شعبة ، عن يعلى بن عطاء ، عن أبيه ، عن عبد الله بن عمرو ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "قتل رجل مؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا " .

9296 - حدثنا أبو ميسرة الهمداني ، قال : حدثنا ابن نمير ، قال : حدثنا وكيع ، قال : حدثنا إسماعيل ، عن ابن عائذ ، عن عقبة بن عامر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من لقي الله لا يشرك به شيئا لم [يتند بدم ] حرام دخل الجنة " .

وقال جل ذكره ( فلا يسرف في القتل ) قال كثير من أهل العلم : بالقرآن لا يقتل غير قاتله .

9297 - وحدثنا يحيى بن محمد ، قال : حدثنا مسدد ، قال : حدثنا بشر ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق ، عن الزهري ، عن عطاء بن يزيد الليثي ، عن أبي شريح العدوي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن [ ص: 39 ] أعتى الناس على الله من قتل غير قاتله أو طلب بدم الجاهلية من أهل الإسلام " .

واختلف أهل العلم في تفسير قوله ( والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ) الآية ، فقال بعضهم : إنما أوجب الله هذا الوعيد على من جمع هذه الخصال فدعا مع الله إلها آخر ، وقتل النفس التي حرم الله بغير الحق ، وزنى ، فمن جمع هذه الخلال فهو الذي أوجب الله له مضاعفة العذاب يوم القيامة ، والتخليد فيها مهانا إلا من تاب من الشرك وآمن فتوبته مقبولة ، وما مضى في شركه مغفور له لقوله ( قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف ) وقال آخرون : نزلت في وحشي وأصحابه ، قالوا : كيف لنا بالتوبة وقد عبدنا الأوثان ، وقتلنا المؤمنين ونكحنا المشركات ، فأنزل الله فيهم هذه الآية ( إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات ) أبدلهم بعبادة الأوثان عبادة الله ، وأبدلهم بقتل المسلمين قتالا مع المسلمين للمشركين ، وأبدلهم بنكاح المشركات نكاح المؤمنات .

9298 - حدثنا محمد بن إسماعيل وموسى بن هارون الحمال ، قالا : حدثنا إبراهيم بن محمد الشافعي ، قال : حدثنا عبد الله بن رجاء ، عن عبيد الله بن عمر ، عن علي بن زيد ، عن يوسف بن مهران ، عن ابن عباس ، [ ص: 40 ] قال : قرأناها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم سنتين : ( والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ) ، ثم نزلت : ( إلا من تاب ) فما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فرح بشيء فرحه بها وفرحه بـ ( إنا فتحنا لك فتحا مبينا ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية