صفحة جزء
باب ذكر الخيار الذي جعل لأولياء الدم واختلاف أهل العلم فيه

اختلف أهل العلم في الرجل يقتل الرجل عمدا : فقالت طائفة : الأولياء بالخيار إن شاؤوا قتلوا القاتل ، وإن شاؤوا أخذوا الدية ، وإن شاؤوا عفوا . [ ص: 117 ]

كان سعيد بن المسيب يقول في الرجل يقتله النفر قال : يعفو عن من شاء ، ويقتل من شاء ، ويأخذ الدية ممن شاء . وكذلك قال الشعبي إلا أنه قال : ويصالح من يشاء . وقال ابن سيرين في الرجل يقتله الرجلان : له أن يقتل أحدهما ويأخذ الدية من الآخر . وقال عطاء في قاتل العمد يموت ويترك مالا قال : ديته في ماله .

وقال قتادة : يجبر القاتل على أن يعطي الدية ، وتلا قوله ( فمن عفي له من أخيه شيء ) الآية .

وقد روينا في قوله ( فمن عفي له من أخيه شيء ) عن ابن عباس وغيره أخبارا تدل على صحة هذا القول . وممن قال بأن الأولياء بالخيار إن شاؤوا عفوا وإن شاؤوا أخذوا الدية وإن شاؤوا قتلوا : الشافعي ، وأحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه ، وأبو ثور .

وقال عبد العزيز بن أبي سلمة : الأولياء بالخيار إن شاؤوا قتلوا وإن شاؤوا أخذوا الدية .

وقالت طائفة في قتل العمد : ليس لهم إلا الدم إن شاؤوا قتلوا وإن شاؤوا عفوا إلا أن يشاء القاتل أن يعطي الدية هذا قول النخعي . [ ص: 118 ]

وقال الحسن في رجل قتله ثلاثة نفر ، فأراد وليه أن يعفو عن بعض ، ويأخذ بعضا ، ويأخذ من بعض الدية قال : ليس له ذلك . وقال مالك في رجل قتل عمدا فقال أولياء المقتول : نحن نعفو ونأخذ الدية ، وقال القاتل : لا أعطيكم الدية ، ولكن اقتلوني قال : لا يكون لهم إلا القتل ، قال الله ( كتب عليكم القصاص في القتلى ) وكان مالك يقول : له أن يصالح على ديتين وثلاث .

وقال قتادة : إذا اصطلحوا على ثلاث ديات فجائز ، إنما اشتروا به صاحبهم . وقال النخعي : ما يمنع به الدم فهو جائز وإن كثر . وكان الأوزاعي يقول : إذا اشترك رجلان في قتل رجل فأراد الولي قتل أحدهما وأخذ الدية من الآخر قال : يكره أن يأخذ عقلا ودما .

قال أبو بكر : الكتاب والسنة يدلان على أن أولياء المقتول بالخيار ، فأما الكتاب فقوله عز وجل ( فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ) ، وأما السنة : فثبوت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : "ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين " .

9370 - أخبرنا محمد بن عبد الله قال : أخبرنا ابن أبي فديك ، عن ابن أبي ذئب ، عن المقبري ، عن أبي شريح الكعبي ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "من قتل قتيلا فأهله بين خيرتين ، إن قتلوه ، وإن أحبوا أخذوا العقل " .

9371 - حدثنا علي بن عبد العزيز ، قال : حدثنا حجاج ، قال : حدثنا حماد ، عن محمد بن إسحاق ، عن الحارث بن فضيل ، عن سفيان بن أبي [ ص: 119 ] العوجاء ، عن أبي شريح الخزاعي ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "من أصيب بقتل أو خبل فإنه يختار أحد ثلاث : إما أن يقتص ، وإما أن يأخذ الدية ، وإما أن يعفو ، فإن أراد الرابعة فخذوا على يديه ، فمن اعتدى بعد ذلك فله نار جهنم " .

9372 - أخبرنا حاتم بن منصور ، أن الحميدي حدثهم قال : حدثنا الوليد بن مسلم ، حدثنا الأوزاعي قال [حدثني يحيى بن أبي كثير قال : حدثني أبو سلمة قال : ] حدثني أبو هريرة قال : لما افتتح الله على رسوله مكة [قام ] فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : "من قتل له قتيل فهو بخير النظرين : إما أن يفدى ، وإما أن يقتل " .

التالي السابق


الخدمات العلمية