صفحة جزء
باب ذكر عفو المجني عليه عن الجناية وما يحدث منها إذا كانت الجناية عمدا

اختلف أهل العلم في المجروح يعفو عن الجراح وما يحدث منها .

فقالت طائفة : العفو جائز ، كان الحسن البصري يقول في الرجل يقتل الرجل عمدا فيهب له دمه عند موته ، يعفو عنه قال : عفوه جائز ، وكذلك قال قتادة والأوزاعي .

وقال طاوس : إذا تصدق الرجل بدمه فكان قتل عمد فهو جائز .

وحكي عن الشعبي أنه قال : إذا عفا عن دمه فليس للورثة أن يقتلوا .

وقال مالك : إذا أوصى بأن يعفى عن قاتله إذا قتل عمدا أن ذلك جائز له ، وأنه أولى بدمه من غيره من أوليائه من بعده ، أبو مصعب عنه . وحكى ابن نافع عنه أنه قال ذلك ، إلا أن يكون قتل غيلة ، فلا يجوز العفو .

وكان الشافعي - إذ هو بالعراق - يقول : إذا عفا عن جراحته وما يحدث منها ثم مات ، فعفوه باطل . وبه قال أبو ثور .

ثم قال الشافعي بمصر : ولو جرحه عمدا ثم عفا المجروح عن الجرح وما يحدث منها ، ثم مات من ذلك الجرح لم يكن إلى قتل الجارح سبيل بأن المجروح قد عفا القتل ، فإن كان عفا عنه ليأخذ عقل الجرح أخذت منه الدية تامة ، لأن الجرح قد صار نفسا . وإن كان عفا عن العقل والقصاص في الجرح ثم مات من الجرح : فمن لم يجز [ ص: 123 ] الوصية للقاتل أبطل العفو ، وجعل الدية تامة للورثة ، لأن هذه وصية لقاتل . ومن أجاز الوصية للقاتل وجعل عفوه وصية عن الجرح تضرب بها في الثلث مع أهل الوصايا .

قال الربيع : كان الشافعي : لا يجيز الوصية للقاتل .

وقال أحمد بن حنبل في المقتول خطأ يهب للذي قتله قال : يكون ذلك في الثلث ، وإذا كان العمد فإنما يجب القود بعد موته ، أي ليس للمقتول شيء ، إنما تجب النفس بعد الموت .

وكذلك قال إسحاق .

وقال أصحاب الرأي : إذا عفا المضروب عن الجناية أو الشجة أو اليد ثم برأ منها وصح فعفوه جائز ، وإن مات منها فعفوه باطل من قبل أنها صارت نفسا ، وينبغي في القياس أن يقتل ، ولكنا ندع القياس ونستحسن فنجعل عليه الدية في ماله ، في قول أبي حنيفة . وإذا عفا المجروح عن الجراحة أو عن الضربة وما يحدث منها فإن عفوه جائز .

قال أبو يوسف في الأمالي في رجل قتل أباه عمدا فعفا الأب عنه عند موته : فهو جائز ، ولا دية على الابن ، لأنه إنما عفا عن الدم .

قال أبو بكر : وإن كان القتل خطأ فالعفو جائز ، يكون في ثلثه في قول مالك ، وسفيان الثوري ، وأصحاب الرأي ، فإن لم يكن له مال غير الدية جاز في ثلثه . [ ص: 124 ]

وقال الشافعي : هي وصية للعاقلة قال : فمن أجاز وصيته أجاز هذا العفو في وصيته ، ومن لم يجزها لم يجز هذا العفو .

9377 - وقد روينا عن عمر بن عبد العزيز أنه قال : إذا تصدق الرجل بديته وقتل خطأ ، فالثلث من ذلك جائز إذا لم يكن له مال غيره .

وروي ذلك عن الحسن البصري .

وكذلك قال الأوزاعي وأحمد وإسحاق ، وكذلك نقول ولست أحفظ عن أحد لقيته في ذلك خلافا .

التالي السابق


الخدمات العلمية