صفحة جزء
ذكر حافر البئر وواضع الحجر في غير حقه

اختلف أهل العلم فيمن حفر بئرا في غير حقه أو أشرع جناحا أو أخرج جذعا أو ما أشبه ذلك في طريق من طرق المسلمين ، فأصاب [ ص: 323 ] إنسانا فتلف : فقالت طائفة : هو ضامن .

روينا عن شريح ، أنه ضمن رجلا حفر بئرا في الطريق فوقع فيها بغل فمات . وهذا قول النخعي .

وقد روينا عن علي أنه قال : من حفر بئرا أو عرض عودا فأصاب إنسانا ضمن .

وروي عن الشعبي ، أنه كان يضمن إذا نضح القصار الماء في الطريق ، فزل به إنسان من أهل الأسواق وغيرهم ، إذا كان في غير ملكه . وبه قال حماد بن أبي سليمان .

وروي عن شريح أنه قال : من أخرج من حده شيئا فأصاب إنسانا فهو ضامن .

وكان شريح يقول : من ربط دابته في طريق من طرق المسلمين فهو ضامن لما أصابت .

وقال سفيان الثوري : إذا ألقى الرجل كيسا فيه دراهم على الطريق فأصاب رجل رجل فعقره ، فعلى صاحب الدراهم الضمان ، وإن ألقى الذي أصيب رجله الدراهم في البئر فهو ضامن . وكذلك قال أحمد ، وإسحاق . [ ص: 324 ]

وقال سفيان الثوري : إذا وضعت نعلك أو خفيك في المسجد فعثر به رجل فعنت قال : يضمنه هو بمنزلة الطريق .

وقال سفيان : في رجل أخرج جذعا في غير ملكه فيقع على إنسان قال : يضمن من حساب ما دخل ، من حساب ما خرج ، وفي قول أحمد وإسحاق : يضمن .

وقال مالك : من حفر بئرا في الطريق ، أو ربط دابة ، أو صنع أشباه هذا على الطريق ، أن ما صنع من ذلك مما لا يجوز له أن يصنع فهو ضامن لما أصيب من ذلك بجرح أو غيره ، وما صنع من ذلك مما يجوز له أن يصنع على طريق المسلمين فلا ضمان عليه فيه ولا غرم ، من ذلك البئر يحفرها الرجل للمطر . والدابة ينزل عنها الرجل للحاجة فيقفها على الطريق ، فليس على أحد في هذا غرم .

وفي كتاب محمد بن الحسن : وإذا وضع الرجل في الطريق حجرا أو بنى فيه بناء أو أخرج من حائطه جذعا ، أو صخرة شاخصة في الطريق ، أو أشرع كنيفا أو جناحا أو ميزابا أو ظلة ، فهو ضامن لما أصاب من ذلك كله ، يكون الضمان في ذلك على عاقلته إذا كانت في نفس أو جراحة في [ ص: 325 ] بني آدم ، وما كان من سوى ذلك فهو في ماله ، ولو أن رجلا رش الطريق فعطب إنسان بموضع رشه ، كان ضامنا له على عاقلته ، ولا كفارة عليه ، وإذا أشرع الرجل جناحا على الطريق الأعظم ثم باع الدار فأصاب الجناح رجلا فقتله فالضمان على الأول .

قال أبو بكر : وقال غيرهم : هو على المشتري التارك للشيء في موضعه ، لأن إقراره الشيء الذي قد ملكه بالشراء في موضعه كفعل الذي ابتدأ فوضعه ، هذا [إذا] أمكنه رفعه ، فإن لم يمكنه فالضمان على الأول .

وحكى أبو ثور ، عن الشافعي أنه قال : فيمن حفر بئرا ، أو وضع حجرا ، أو عمل دكانا ، أو أشرع جناحا ، أو ميزابا ، أو ما أشبه ذلك فما فعل من ذلك فيما له فعله ، وليس بمعتدي ولا ظالم ، فكان به تلف فليس عليه شيء . وكذلك قال أبو ثور .

وكان الحكم يقول في الرجل السوقي يرش الماء بين يدي بابه فيمر إنسان فيزلق فيعنت ، قال : لا يضمن .

وكان الزهري يقول في قوم حفروا في بادية بئرا ، فمر بها قوم ليلا فسقط بعضهم في البئر ، فقال : لا نرى عليه شيئا ، يقاس بذلك قضاء النبي صلى الله عليه وسلم في المعدن والبئر . [ ص: 326 ]

وحكي عن مالك في الرجل يحفر في حائطه حفيرة للسباع فيقع فيها إنسان فيموت قال : لا ضمان عليه .

وحكي عن أصحاب الرأي أنهم قالوا : في البئر في الحضر وبئر الدور والطريق : يضمن حافرها ، وإن كانت في الصحراء أو في البرية فهو جبار .

التالي السابق


الخدمات العلمية