صفحة جزء
ذكر ما لا تحمله العاقلة وما اختلف فيه منه

أجمع أهل العلم على أن العاقلة لا تحمل دية العمد ، وأجمعوا على أنها تحمل دية الخطأ .

واختلفوا في الحر يقتل العبد خطأ ، فقالت طائفة : لا تعقل العاقلة عبدا ، ولا عمدا ، ولا صلحا ، ولا اعترافا . كذلك قال ابن عباس والشعبي .

9594 - حدثنا موسى ، حدثنا يحيى ، قال : حدثنا ابن أبي الزناد ، عن أبيه ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن ابن عباس قال : لا تعقل العاقلة عمدا ، ولا عبدا ، ولا صلحا ، ولا اعترافا .

وبه قال سفيان الثوري ، والليث بن سعد . وممن قال لا تحتمل العاقلة عبدا : مكحول ، والنخعي ، ومالك بن أنس ، وعثمان البتي ، وأحمد ، وإسحاق . وقال الحسن البصري فيمن أقر أنه قتل خطأ .

قال : في ماله . وكذلك قال عمر بن عبد العزيز ، وسليمان بن موسى ، والزهري ، وأحمد ، وإسحاق . [ ص: 358 ]

وقال الزهري : لا تحمل العاقلة العمد وشبه العمد والاعتراف ، و الصلح هو عليه في ماله ، إلا أن تعينه العاقلة .

وكان ابن أبي ليلى يقول في العبد : لا تعقله العاقلة . ورجع أبو يوسف إلى هذا القول فقال : على القاتل قيمته ما بلغ حالا .

وقال أحمد بن حنبل : لا تعقل العاقلة الصلح ، ولا الاعتراف ، ولا العبد إذا قتل عبدا خطأ أو عمدا .

وكذلك قال إسحاق .

وقال أبو ثور : بقول مالك قال : وذلك أن كل جاني فجنايته في ماله ، إلا جاني أجمعوا أنه لا ضمان عليه .

وقالت طائفة : تعقل العاقلة العبد . كذلك قال عطاء ، والزهري ، والحكم وحماد .

وقال الشافعي في موضع فيها قولان : أحدهما ، تحمله العاقلة ، والثاني : لا تحمل ، لأنه قيمة لا دية ، و [قال] في كتاب إذا قتل الرجل خطأ عقلته العاقلة ، لأنها إنما تعقل جناية في نفس محرمة قد [ ص: 359 ] يكون فيها القود ، وتكون فيها الكفارة كما تكون في الحر بكل حال ، فهو بالنفوس أشبه منه بالأموال هو لا يجامع الأموال إلا أن في ديته قيمته ، فأما سوى ذلك فهو مفارق للأموال مجامع للنفوس في أكثر أحكامه .

قال أبو بكر : إما أن العبد بالأحرار أشبه منه بسائر الأموال والدواب ، وكذلك الجنايات على الأنفس خطأ لم يوجد قياسا ولا يعقل فيه العبد ، فيجوز القياس على ذلك والجنايات ففي أموال الجناة إلا أن تخص السنة شيئا ، أو يجمع أهل العلم على شيء فيقال به ، ويكون ما اختلف فيه بعد ذلك مردودا إلى أن الجنايات على الجناة على ظاهر الكتاب والسنة .

واختلفوا في المعترف بجناية خطأ ، فقالت طائفة : لا يلزمه ما أقر به ، لأنه أقر على غيره ، وذلك أن جناية الخطأ على الأنفس على العاقلة كذلك السنة فإذا أقر الجاني بشيء أوجبته السنة على غيره لم يلزمه في نفسه ، والله أعلم . هذا قول أبي ثور .

وكان ابن عبد الحكم يقول : ومن أقر بقتل رجل خطأ ، فلا أرى عليه في ماله شيئا .

وبه قال مالك : إن لم يتهم في قوله أن يكون محاباة ، فأرى أن يصدق إذا كان مأمونا ، وتحمله العاقلة بقسامة خمسين يمينا ، هذه رواية ابن عبد الحكم عنه . [ ص: 360 ]

وحكى ابن وهب عنه أنه قال في رجل أقر أنه قتل خطأ : أن عاقلته لا تعقل ذلك عنه ، إلا أن يكون مع إقراره شيء يشد قوله .

قال أبو بكر : فأما في مذهب سفيان الثوري ، والأوزاعي ، والشافعي ، والنعمان ، وصاحبيه : فعليه الدية في ماله دون عاقلته إذا أقر به ، وقد ذكرنا هذا القول عن الشعبي والزهري .

قال أبو بكر : وقول أبي ثور يدل عليه النظر ، والله أعلم ، وذلك أن المقر بقتل خطأ ، إنما أقر بشيء على غيره وإن صدقه الأولياء ، فهو أولى أن يكون كذلك ، لأن الولي إذا قال : إنك قتلته خطأ فقد برأه من الدية وأقر بأن ذلك على العاقلة ، لأن السنة قد حكمت بالدية على العاقلة ، ولا يجوز تحويل ما جعلته السنة على العاقلة إلى أن يجعل ذلك على المقر بالجناية ، وكما لا يلزم العاقلة دية العمد ، كذلك لا يكون على الجاني دية الخطأ بحكم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك على العاقلة . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية