صفحة جزء
ذكر ارتداد المرأة المسلمة عن الإسلام

ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "من بدل دينه فاقتلوه" ، لم يخص رجلا دون امرأة ، فالقول بظاهر خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم يجب .

وقد اختلف فيه : فقالت طائفة في المرأة ترتد عن الإسلام : تقتل إن لم ترجع إلى الإسلام ، كذلك قال النخعي ، والزهري ، والحسن البصري ، ومكحول ، وحماد بن أبي سليمان ، وروي ذلك عن عبد الملك بن مروان ، وهو قول مالك والأوزاعي ، والليث بن سعد ، والشافعي ، وأحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه . [ ص: 466 ]

9644 - حدثنا محمد بن علي ، قال : حدثنا سعيد بن منصور ، قال : حدثنا خالد بن يزيد بن أبي مالك الدمشقي ، قال : أخبرني أبي أن أبا بكر الصديق قتل امرأة يقال لها : أم قرفة في الردة .

وفيه قول ثان : وهو أنها تسترق ولا تقتل .

9645 - حدثونا (عن بندار أبو داود ) ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن قتادة ، عن خلاس ، عن علي في المرأة ترتد عن الإسلام ، قال : [تستتاب] .

وكذلك قال قتادة ، وقال مرة : تسبى [و] تباع ، قال : وكذلك فعل أبو بكر بسبي أهل الردة ، باعهم . [ ص: 467 ]

وقال الحسن البصري : تسترق ولا تقتل ، روينا عن عمر بن عبد العزيز أنه قال : تباع بأرض ليس بها من أهل دينها أحد .

9646 - حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا ابن عيينة ، عن عمار الدهني ، قال : سمعت أبا الطفيل يقول : بعث علي معقلا السلمي إلى بني ناجية فوجدهم على ثلاثة أصناف : صنف كانوا نصارى فأسلموا ، وصنف ثبتوا على النصرانية ، وصنف أسلموا ثم رجعوا عن الإسلام إلى النصرانية ، فجعل بينه وبين أصحابه علامة إذا رأيتموها فضعوا السلاح في الصنف الذين أسلموا ثم رجعوا عن الإسلام ، فأراهم العلامة فوضعوا السلاح فيهم ، فقتل مقاتلتهم ، وسبى ذراريهم ، فباعهم من مسقلة بمائة ألف فنقده خمسين وبقيت خمسون ، قال : فأجاز علي ذلك . قال : ولحق مسقلة بمعاوية وأعتقهم ، فأجاز علي عتقهم ، وأتى دار مسقلة فشعث فيها فأتوه بعد ذلك فقال : أما صاحبكم فقد لحق بعدوكم فائتوني آخذ لكم بحقكم .

وفيه قول ثالث : وهو أنها تسجن ولا تقتل .

9647 - حدثنا إسحاق ، عن عبد الرزاق ، عن الثوري ، عن عاصم ، [ ص: 468 ] عن أبي رزين ، عن ابن [عباس ] ، قال : تحبس ولا تقتل المرأة ترتد .

9648 - حدثنا علي بن الحسن ، قال : حدثنا عبد الله بن الوليد ، عن سفيان ، حدثنا بعض أصحابنا ، عن أبي رزين ، عن ابن عباس ، أنه قال في المرتدة : لا تقتل ، تسجن .

وقد روينا عن عطاء أنه قال في المرتدة : تسجن .

وقال النعمان في الحر والعبد المسلمين كما قال مالك ، وقال في المرأة الحرة المسلمة والأمة المسلمة يرتدان عن الإسلام : يجبران على الإسلام ، ولا يقتلان ، فتحبس المرأة الحرة وتجبر على الإسلام ، وأما الأمة فترد إلى مولاها ، ويؤمر مولاها أن يجبرها على الإسلام . [ ص: 469 ]

قال أبو بكر : وقد تكلم في هذه المسألة بعض أصحابنا وقال : حديث عاصم بن بهدلة ، عن أبي رزين ، عن ابن عباس في المرتدة تحبس ولا تقتل . فإن أصحاب عاصم المعروفين بصحبته كشعبة ، وابن عيينة ، وحماد بن زيد ، وحماد بن سلمة لم يرو واحد منهم هذا الحديث عن عاصم ، إنما تفرد بروايته أبو حنيفة ، وهو غير معروف بصحبة عاصم ، وهو حديث منكر خلاف السنة ، وقد كان أبو بكر بن عياش من خواص عاصم والمعروفين بصحبته ، كتب إلي بعض أصحابنا قال : حدثني أبو قدامة قال : سمعت أبا زيد المدائني قال : سمعت أبا بكر بن عياش يقول : لقيت أبا حنيفة فقلت له : هذا الذي رويت عن ابن عباس في المرتدة إنما هو حديث : من أتى بهيمة قال : فجعل يتلوم ويتشكك لا يقوم عليه . [ ص: 470 ]

9649 - حدثنا محمد بن عبد الوهاب ، قال : حدثنا عبيد الله بن موسى ، قال : أخبرنا سفيان وإسرائيل ، عن عاصم ، عن أبي رزين ، عن ابن عباس قال : من أتى بهيمة فلا حد عليه .

قال أبو بكر : وقد ذكرنا حديث عاصم ، عن أبي رزين عن ابن عباس من حديث الثوري ذكر لأحمد بن حنبل حديث عاصم عن أبي رزين في المرتدة قال : هذا رواه أبو حنيفة .

قال عبد الرحمن : قيل لسفيان : سمعت حديث المرتدة ؟ قال : أما من ثقة فلا . قال أبو عبد الله : إنما سمعه من أبي حنيفة . كتب إلي بعض أصحابنا ، حدثنا محمود بن غيلان ، حدثنا المؤمل ، قال : ذكر أبو حنيفة عند الثوري فقال وهو في الحجر : غير ثقة ولا مأمون . وقال حدثني أحمد بن سعيد الدارمي قال : حدثنا محمد بن كثير قال : سمعت سفيان [ ص: 471 ] وحدث بحديث فقال له رجل : يا أبا عبد الله سمعته على غير ما حدثت . قال : من حدثك ؟ قال : أبو حنيفة ، قال : أحلتني على غير ملي وقال : حدثني (أحمد بن القهزاد) ، حدثني أبو إسحاق إبراهيم ابن الأشعث قال : سمعت الفضيل بن عياض يقول : كان الثوري إذا رأى إنسانا مماريا مكابرا يماري الناس ويكابرهم بغير علم قال : أبو حنيفة والله .

وقال : حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، قال : حدثنا يزيد بن سنان ، أنه قال لابن المبارك يوما : أبو يوسف كان أعلم أم محمد بن الحسن ؟ فقال : لا تقل أيهما أعلم وقل : أيهما أكذب .

وكتب إلي أبو العباس السراج : حدثنا العباس بن أبي طالب ، حدثنا شيبان بن فروخ ، عن رجل قال : ربما حضرنا أيوب السختياني فيمر بالحديث فيقول : عن من ذي ؟ فنقول : عن أبي حنيفة ، فيقول بيده : دعوه .

وقال : حدثنا الجوهري ، قال : حدثنا إبراهيم بن شماس ، قال : كنت [ ص: 472 ] مع ابن المبارك في السفينة لما انصرف من الثغر ، فكان يحدثنا فيمر على شيء من حديث أبي حنيفة فقال : اضربوا على حديث أبي حنيفة ، فإني قد ضربت على حديث أبي حنيفة ورأيه .

قال أبو بكر : ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل : أي الذنب أعظم ؟ قال : "أن تجعل لله ندا وهو خلقك" . فإذا كان الكفر من أعظم الذنوب ، [ ص: 473 ] وأجل جرم اجترمه المسلمون من الرجال والنساء ، ولله أحكام في كتابه وحدود ألزمه عباده دون الكفر ، من ذلك : الربا ، والسرقة ، وشرب الخمر ، وحد القذف ، والقصاص الذي أوجبه في كتابه ، وكانت الأحكام والحدود التي هي دون الارتداد لازمة للرجال والنساء مع الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال قولا عاما يدخل فيه الرجال والنساء : "من بدل دينه فاقتلوه" ، وكيف يجوز أن يفرق مفرق بين أعظم الذنوب فيطرحه عن النساء ، ويلزمهن ما دون ذلك ، ولو لم يكن لما ذكرناه شاهد يدل على خلاف ما قاله هذا القائل إلا جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين ثلاثة أشياء في خبر واحد فقال : "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : كفر بعد إيمان ، أو زنا بعد إحصان ، أو قتل نفس بغير نفس" . فإذا قال من خالفنا إنها تستوي والرجل في الزنا إذا كانت فضية ويجب قتلها ، وإذا قتلت من بينها وبينه القصاص من الرجال قتلت به . فكيف يجوز له أن يفرق بين ما جمع بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيخصها بخصلة من الثلاث خصال بغير حجة يرجع إليها ، ما أبين التناقض في هذا القول بل حكايته تجزئ عن الإدخال على قائله ، ولو اعترض معترض فقال : أقول بالذي روي عن عمر بن الخطاب أنه أمر بحبس المرتد ، لأن إسناده أثبت إسنادا من حديث ابن عباس ، ولأن عمر أعلى من ابن عباس وأولى بالاتباع ، لما كانت الحجة عليه إلا لهي على الذي أمر بحبس المرأة المرتدة . والذي يجب القول به قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأنه [ ص: 474 ] الحجة على الأولين والآخرين ، ولا يجوز ترك السنة بقول أحد من الناس ، والذي خالف السنة الثابتة في هذا الباب ، وخالف عمر بن الخطاب فأظهر اتباع ابن عباس فيما لا يثبت عنه ، قد خالف ابن عباس في أشياء ثابتة عنه .

9650 - حدثنا إسحاق ، عن عبد الرزاق ، عن ابن جريج ح . وحدثنا الصائغ قال : حدثنا روح ، قال : حدثنا ابن جريج قال : أخبرني عبد الله بن عثمان بن خثيم ، أنه سمع سعيد بن جبير ومجاهدا يقولان عن ابن عباس في البكر يوجد على اللوطية قال : يرجم .

وخالف النعمان هذا الحديث فقال : لا حد عليه . ولو ذهبنا نكتب ما خالف أصحاب الرأي ابن عباس لكثر ذلك وطال الكتاب .

واختلفوا في الأمة ترتد عن الإسلام ، ففي قول مالك ، والأوزاعي ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق : تقتل إن لم تتب .

وفي قول أصحاب الرأي : تدفع إلى مولاها ، ويؤمر مولاها أن يجبرها على الإسلام . [ ص: 475 ]

قال أبو بكر : بقول مالك ومن وافقه أقول ، لظاهر قول النبي صلى الله عليه وسلم قولا عاما : "من بدل دينه فاقتلوه" .

التالي السابق


الخدمات العلمية