صفحة جزء
ذكر مال المرتد المقتول على ردته

واختلفوا في مال المرتد المقتول على ردته .

فقالت طائفة : ميراثه لورثته من المسلمين ، هذا قول الليث بن سعد ، وإسحاق بن راهويه ، والنعمان .

9667 - حدثنا علي بن عبد العزيز ، قال : حدثنا حجاج ، قال : حدثنا أبو معاوية الضرير ، عن سليمان الأعمش ، عن أبي عمر الشيباني ، أن علي بن أبي طالب جعل ميراث المرتد لورثته من المسلمين .

قال أبو بكر : وهذا قول الحسن البصري ، والشعبي ، والحكم وروي ذلك عن سعيد بن المسيب ، وعن كتاب عمر بن عبد العزيز .

وقال الأوزاعي في المرتد : إن كان لحق بدار الحرب فماله بمنزلة دمه ، وإن كان قام في دار الإسلام مع ولده وأهله استتيب ، فإن [ ص: 500 ] راجع الإسلام لم ينزع منه ماله الذي اكتسب في ردته ، وإن أبى قتل ، وكان سبيل ماله واحدا ، يقسم بين ورثته .

وقال النعمان في الرجل المسلم يرتد عن الإسلام ، وله مال في حال الإسلام ، ومال اكتسبه في حال الردة ثم أسلم ، قال : ذلك المال كله له ، وإن لحق بدار الحرب أو مات على ردته فما كان له في حال الإسلام فهو لورثته الأحرار المسلمين ، وما اكتسب في حال ردته فهو فيء .

وقال يعقوب ومحمد : ما اكتسب قبل الردة وبعدها فهو لورثته .

وقالت طائفة : لا يرث [المرتد] ورثته من المسلمين ولا يرثهم ، لأنه كافر ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : "لا يرث المسلم الكافر" . هذا قول مالك بن أنس ، وبه قال ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، وابن أبي ليلى ، والشافعي ، وأبو ثور .

وفيه قول ثالث : وهو أن ماله لورثته المسلمين ، وما أصاب في ارتداده فهو فيء للمسلمين ، هذا قول سفيان الثوري . [ ص: 501 ]

وقد اختلف في هذه المسألة عن أحمد بن حنبل ، فحكى إسحاق بن منصور عنه أنه قال : ميراث المرتد للمسلمين ، يقتل ويؤخذ ماله مات أو قتل واحد ، لأن دمه كان مباحا ، وذكر الأثرم أنه سأل عنه فقال : كنت أقول فيه ثم جبنت عنه ، قال : هو كما ترى قتل على كفر فكيف [يرثه] المسلمون ؟ قلت له : كنت تقول : ميراثه في بيت المال ، قال : نعم . وضعف أبو عبد الله الحديث الذي روي عن علي أن ميراث المرتد لورثته المسلمين .

قال أبو بكر : مال المرتد إذا قتل أو مات على ردته [يضعه] الإمام حيث يحب في الوجوه الذي يفرق فيه مال الفيء ، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : بكفر بعد إيمان . . . . " .

وقد أجمعوا على أن دم المرتد إنما أبيح لكفره بعد إسلامه ، فإذا ثبت كفره وجب أن لا يرث ولا يورث ، للثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "لا يرث المسلم الكافر ، ولا الكافر المسلم" .

9668 - حدثنا سعد بن عبد الله ، قال : أخبرنا أبي ، حدثنا الليث ، عن ابن الهاد ، عن ابن شهاب ، عن علي بن حسين ، عن عمرو بن عثمان ، عن [ ص: 502 ] أسامة بن زيد ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم" .

9669 - وأخبرنا محمد بن علي ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا ابن جريج ، عن ابن شهاب ، عن علي بن حسين ، عن عمرو بن عثمان ، عن أسامة بن زيد ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "لا يرث المسلم الكافر ، ولا الكافر المسلم" .

وقال قائل : ميراثه لأهل الكفر من قرابته ، لأن في قوله : "لا يرث المسلم الكافر" دليل على أن يرث الكافر الكافر ، وغير جائز أن يكون ماله فيئا ، لأن الله ذكر مال الفيء في كتابه فقال : ( ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى ) وليس بمغنوم ولا من أموال الصدقات ، لأن الغنيمة والصدقات معلوم مخارجها ، وليس يخلو الأموال التي يليها الأئمة من أحد هذه الوجوه الثلاث ، وأولى الناس بما يخلفه المرتد ورثته من الكفار .

وقال بعضهم : من عارض هذا القول لم يختلفوا أن المرتد لا يرث أحدا من الكفار ، وإذا لم يرثهم لم يرثوه ، لأن الناس يورثون من حيث يرثون . [ ص: 503 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية