صفحة جزء
ذكر ما يجوز أن يفعله المرتد في أمواله من الهبات والعتق والعطايا وما لا يجوز

اختلف أهل العلم في المرتد يعتق عبدا من عبيده أو يهب شيئا من ماله .

فقالت طائفة : كل ما فعل في ماله جائز كما كان يصنع قبل الردة ، فإذا وقف فلا سبيل له على إتلاف شيء من ماله بعوض ولا غيره ما كان موقوفا ، فإن أعتق أو كاتب أو دبر [أو] اشترى أو باع ، فذلك موقوف لا ينفذ منه شيء في حال ردته ، فإن رجع إلى الإسلام لزمه ذلك كله إلا البيع ، فإذا فسخ بيعه انفسخ . هذا قول الشافعي .

وقال الشافعي : وإذا ارتد الرجل وكان حاضرا بالبلد وله أمهات أولاد ومدبرات ومدبرون ومكاتب ومكاتبون ومماليك وجوار ومال سوى ذلك ، وقف ذلك كله عنه ومنع إصابة أم ولده وجارية له ، والوقف أن يوضع ماله سوى إناث الرقيق على يدي عدل ، ويوقفا الجوار على يدي عدلة من النساء ، ويؤمر من بلغ من ذكور رقيقه بالكسب ، وينفق عليه من كسبه ، ويؤخذ فضل كسبه ، وتؤمر ذوات الصنعة من جواريه وأمهات أولاده وغيرهم بذلك ، ويؤاجر من لا صنعة له منهم من امرأة ثقة ، وتباع الحيوانات كلها إلا من [لا] يوجد السبيل إليه من أمهات أولاده أو مكاتبيه أو مرضع لولده ، أو خادم يخدم [ ص: 504 ] زوجة له ، ومتى رجع إلى الإسلام رد ماله عليه ، ولم يرد ما بيع من ماله ، لأنه بيع ، والبيع نظر لمن يصير المال إليه في حال لا سبيل له فيها على المال ، وما كسب في ردته فهو كما ملك قبل الردة إذا قدر عليه ، فإذا رجع إلى الإسلام دفع إليه ماله ، وإن مات أو قتل قبل أن يرجع إلى الإسلام خمس ماله ، وكان الخمس لأهل الخمس ، والأربعة الأخماس لجماعة المسلمين .

وقال النعمان في الرجل المسلم يرتد عن الإسلام فيعتق أو يهب أو يبيع أو يشتري ثم يسلم قال : كل شيء صنع من ذلك جائز ، وإن لحق بدار الحرب أو مات على ردته فهو كل شيء صنع فهو باطل .

وقال يعقوب : كل شيء صنع من ذلك فهو جائز . وقال محمد : هو جائز كما يجوز للمريض ، لأنه يقبل .

وأجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم على أن المرتد بارتداده لا يزول ملكه عن ماله . وأجمعوا كذلك أنه برجوعه إلى الإسلام مردود إليه ماله ما لم يلحق بدار الحرب ، وإنما اختلفوا [فيما] يجوز له أن يفعله في ماله [وهو مرتد ، وقد بينا ذلك . [ ص: 505 ]

قال أبو بكر : وليس يخلو فعله في ماله] في حال الارتداد من أحد وجهين : إما أن يكون جائزا كل ما صنع في ماله كفعله ذلك قبل أن يرتد ، أو أن يكون ممنوعا من ماله كما ارتد أن يحدث فيه حدثا ، ولي فيه نظر .

فأما ماله إذا قتل أو مات على الردة فإنه بمنزلة مال لا ملك له يضعه الإمام (حيث يضع الأموال) التي لا مالك لها ، لأن ورثته ممنوعون منه لقول النبي صلى الله عليه وسلم : "لا يرث المسلم الكافر" ، وليس بغنيمة فيقسم قسم الغنائم ، ولا سبيله سبيل أموال الصدقات ، ولا هو من الفيء بسبيل ، إذ أموال الفيء ما صولح عليه أهل الشرك ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب .

التالي السابق


الخدمات العلمية