صفحة جزء
ذكر ما يحدثه المرتد في حال ارتداده

واختلفوا في جنايات المرتد . فكان الليث بن سعد يقول في الحر والعبد المرتدين يجنيان ، أما الحر فإن هو رجع إلى الإسلام وتاب من الكفر اقتص منه إن كان تعمد ، وإن كان لم يتعمد جعل عقل ما جنى على عاقلته ، وإن لم يرجع فكان مقتولا على كفره ، فالقتل يقطع كل جناية ، لأنه يأتي على نفسه . وأما العبد فإن رجع إلى الإسلام وكان تعمد فإن رأى الحر أن يقتص منه اقتص ، وإن كره ذلك فداه سيده أو بيع فيه رقبته ، وإن كان لم يتعمد فلا قصاص عليه ، والعقل في رقبته إلا أن يفديه سيده .

وقال النعمان : ما جنى في ردته فهو عليه وفي ماله ، وقال في الرجل المسلم يرتد عن الإسلام ، ثم يقتل [رجلا] خطأ ، ثم يلحق بدار الحرب أو يقتل على ردته قال : الدية فيما اكتسب في حال الإسلام وحال الردة .

وفيه قول ثان : وهو أن لا شيء عليه في حال ارتداده إذا حارب ونابذ المسلمين . هكذا قال بعض الناس . [ ص: 513 ]

وقال : قد أجمعوا أن أهل الحرب لا شيء عليهم فيما أصابوا من دم في حال حربهم ثم أسلموا لقول الله عز وجل : ( قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف ) ، وفي القياس أنه إذا ارتد وحارب ونبذ إلى المؤمنين على سواء عاد إلى حكم المحاربين ، غير أنهم قد أجمعوا أن من ارتد إلى عبادة الأوثان ثم سأل أن يدخل معاهدا لم يقبل منه غير الإسلام ، فإذا بدل دينه ولم يناصبهم الحرب بأن ينبذ إليهم على سواء ، والقياس أن كل شيء أصابه في هذه الحال ثم تاب من كفره فهو به مأخوذ ، ولا يبطل عنه إسلامه ما لزمه من حد وقصاص وقود .

واختلف قول الشافعي في هذا الباب فقال في الكتاب المعروف بالواقدي : وإذا عرضت الجماعة لقوم من مارة الطريق ، وكابروهم بالسلاح ، فإن قتلوا وأخذوا المال . . فذكر جنايات المحاربين وما يجب عليهم فيها ، ثم قال : ولو ارتدوا عن الإسلام ، ثم فعلوا مرتدين ، ثم تابوا لم يقم عليهم شيء من هذا ، بأنهم فعلوه وهم مشركون ممتنعون . قد ارتد طليحة فقتل ثابت بن أقرم وعكاشة بن محصن بيده ثم أسلم فلم يقد منه ولم يعقل ، لأنه فعل ذلك في حال الشرك ، إلا أن يوجد مال رجل بعينه في يديه فيؤخذ منه .

وقال في كتاب المرتد : وإذا جنى المرتد في حال ردته على آدمي جناية عمد في مثلها القصاص ، فالمجني عليه بالخيار في أن يقتص منه ، [ ص: 514 ] أو يأخذ قدر الجناية من ماله الذي كان له قبل الردة ، أو اكتسب بعدها ذلك كله سواء ، وكذلك ما حرق لآدمي أو أفسد لآدمي كان في ماله ولا تعقل العاقلة عنه شيء كان في حال ردته ، ويكون ذلك في ماله ، وهكذا قال في كتاب جراح العمد أن الجنايات تلزم المرتدين في حال الارتداد ، وأن الحكم عليهم كالحكم على المسلمين لا يختلف في العقل والقود ، والضمان ما يضمنون ، وسواء قبل أن يقهروا أو بعدما قهروا فتابوا أو لم يتوبوا لا يختلف ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية