صفحة جزء
ذكر المرتد مرة بعد مرة

واختلفوا فيمن ارتد مرة بعد مرة .

فقالت طائفة : يستتاب ليس له حد ينتهي إليه ، هذا قول الشافعي ، وأحمد بن حنبل ، وابن القاسم صاحب مالك .

قال الشافعي : وسواء كثر ذلك منه حتى يكون مرة بعد مرة أو مرارا أو أقل في حقن الدم ، وإيجاب حكم الإيمان له في الظاهر ، إلا أني أرى إن فعل هذا مرة بعد مرة أن يعزر ، وسواء كان هذا مولودا على الإسلام ثم ارتد عن الإسلام ، أو إن كان مشركا فأسلم ثم ارتد ، وسواء [ارتد] إلى يهودية أو نصرانية أو مجوسية أو جحد أو تعطيل أو دين لا يظهره ، فمتى أظهر الإسلام في أي هذه الأحوال كان ، أو إلى أي هذه الأديان صار ، حقن دمه وحكم له حكم الإسلام .

وقال أصحاب الرأي في الرجل يؤتى به وهو مرتد فقال قد تبت [ورجعت إلى الإسلام ، وأنا بريء] من كل دين إلا الإسلام . فإذا قال ذلك فقد تاب ورجع [يكف عنه ويخلى سبيله] فإن عاد بعد ذلك ورجع عن الإسلام استتابه أيضا ، فإن تاب ضربه وخلى سبيله ، [ ص: 525 ] فإن رجع أيضا عن الإسلام ، فأتي به ثالثا استتابه أيضا ، فإن لم يتب قتله ولا يؤجله ، وإن تاب ضربه ضربا وجيعا ، ولا يبلغ به الحد ثم يحبسه ، ولم يخرجه من السجن حتى يرى عليه خشوع التوبة ، ويرون من حاله حال إنسان قد أخلص ، فإن فعل ذلك خلى سبيله ، فإن عاد بعدما يخلى سبيله فعل به مثل ذلك ، فإن هو فعل ذلك مرارا فعل به مثل ذلك أبدا ما دام يرجع إلى الإسلام ، ولا يقتل إلا أن يأبى أن يسلم فيقتل .

9673 - حدثنا يحيى بن محمد قال : حدثنا مسدد ، حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الحجاج بن أرطأة ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، قال : كتب عمرو بن العاص إلى عمر يسأل عن رجل أسلم ثم كفر ثم أسلم ثم كفر ، فعل ذلك مرارا أيقبل منه الإسلام ؟ فكتب إليه عمر : اقبل منهم ما قبل الله منهم ، اعرض عليه الإسلام فإن قبل وإلا فاضرب عنقه .

وقالت طائفة : يستتاب ثلاثا فإن ارتد الرابعة قتل ، هذا قول إسحاق ، قال : يستتاب ثلاثا ، فإن ارتد الرابعة لم يستتب عليه القتل حتما ، جاء عن عثمان وابن عمر على تأويل الكتاب ( آمنوا ثم كفروا ) الآية . [ ص: 526 ]

قال أبو بكر : والذي به أقول قول الشافعي ، وأحمد ، وليس بين أن يستتاب ثلاثا وأربعا فرق ، وحديث عثمان وابن عمر لا أحفظه غير أني رأيت جماعة من علماء الناس بالتفسير تأولوا الآية ، على غير ما تأولها عليه إسحاق .

قال أبو العالية : هم اليهود والنصارى . وقال الضحاك : آمنوا بموسى ، ثم كفروا بعيسى ، ثم ازدادوا كفرا بمحمد .

وقال قتادة : هم اليهود والنصارى ، آمنت اليهود بالتوراة ثم كفرت ، وآمنت النصارى بالإنجيل ثم كفرت ، وكفرهم به تركهم إياه ، ثم ازدادوا كفرا بالقرآن وبمحمد صلى الله عليه وسلم .

وقال مجاهد في قوله : ( آمنوا ثم كفروا ) قال : هم المنافقون .

التالي السابق


الخدمات العلمية