صفحة جزء
33 - ما قيل في: الميت يعذب ببكاء أهله عليه

7784 - أخبرنا أبو عبد الله، وأبو بكر، وأبو زكريا قالوا: حدثنا أبو العباس قال: أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مالك بن أنس، عن عبد الله بن أبي بكر، عن أبيه، عن عمرة، أنها سمعت عائشة، وذكر لها أن عبد الله بن عمر، يقول: " إن الميت ليعذب ببكاء الحي، فقالت عائشة: أما إنه لم يكذب، ولكنه أخطأ، أو نسي "، إنما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على يهودية يبكي عليها أهلها، فقال: "إنهم ليبكون عليها وإنها لتعذب في قبرها" أخرجاه في الصحيح من حديث مالك.

7785 - وأخبرنا أبو عبد الله، وأبو بكر، وأبو زكريا قالوا .

[ ص: 347 ] 7786 - حدثنا أبو العباس قال: أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا عبد المجيد بن عبد العزيز، عن ابن جريج قال: أخبرني ابن أبي مليكة قال: توفيت ابنة لعثمان بن عفان بمكة قال: فجئنا لنشهدها قال: فحضرها ابن عمر، وابن عباس قال: وإني لجالس بينهما قال: جلست إلى أحدهما ثم جاء الآخر فجلس إلى جنبي، فقال عبد الله بن عمر، لعمرو بن عثمان وهو مواجهه: ألا تنهى عن البكاء؟ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه" فقال ابن عباس: قد كان عمر يقول بعض ذلك ثم حدث فقال: صدرت مع عمر من مكة، حتى إذا كنا بالبيداء إذا هو بركب تحت ظل شجرة فقال: اذهب فانظر من هؤلاء الركب؟ فنظرت فإذا هو صهيب قال: فأخبرته فقال: ادعه لي قال: فرجعت إلى صهيب، فقلت: ارتحل فالحق أمير المؤمنين، فلما أن أصيب عمر، دخل صهيب يبكي يقول: واأخاه واصاحباه فقال عمر: يا صهيب أتبكي علي؟ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الميت يعذب ببعض بكاء أهله عليه" فقال ابن عباس: فلما مات عمر ذكرت ذلك لعائشة فقالت: يرحم الله عمر لا والله ما حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يعذب المؤمن ببكاء أحد" ولكن قال: "إن الله يزيد الكافر عذابا ببكاء أهله عليه" قال: وقالت عائشة: حسبكم القرآن: ( ولا تزر وازرة وزر أخرى ) . قال: وقال ابن عباس عند ذلك: والله أضحك وأبكى. قال ابن أبي مليكة: فوالله ما قال ابن عمر من شيء " أخرجاه في الصحيح من حديث ابن جريج .

[ ص: 348 ] 7787 - قال الشافعي في رواية أبي عبد الله: وما روت عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أشبه أن يكون محفوظا عنه صلى الله عليه وسلم بدلالة الكتاب، ثم السنة.

7788 - فإن قيل: وأين دلالة الكتاب؟ قيل في قول الله عز وجل: ( ولا تزر وازرة وزر أخرى ) . وقوله: ( وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ) وقوله: ( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ) وقوله: ( لتجزى كل نفس بما تسعى ) .

7789 - قال الشافعي: وعمرة أحفظ عن عائشة، من ابن أبي مليكة، وحديثها أشبه الحديثين أن يكون محفوظا.

7790 - فإن كان الحديث على غير ما روى ابن أبي مليكة من قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنهم ليبكون عليها وإنها لتعذب في قبرها" فهو واضح لا يحتاج إلى تفسير، لأنها تعذب بالكفر، وهؤلاء يبكون ولا يدرون ما هي فيه.

7791 - وإن كان الحديث كما روى ابن أبي مليكة، فهو صحيح، لأن على الكافر عذابا أعلى منه، فإن عذب بدونه فزيد في عذابه فيما استوجب، وما نيل من كافر من عذاب أدنى من أعلى منه، وما زيد عليه من العذاب فباستجابة لا بذنب غيره في بكائه عليه.

7792 - فإن قيل: يزيده عذابا ببكاء أهله عليه، وقيل: يزيده بما استوجب بعمله، ويكون بكاؤهم سببا، لا أنه يعذب ببكائهم.

7793 - فإن قيل: أين دلالة السنة؟ قيل: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ ص: 349 ] "هذا ابنك؟" قال: نعم قال: "أما إنه لا يجني عليك ولا يجنى عليه".

7794 - فأعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما أعلم الله من أن جناية كل امرئ عليه، كما عمله له لا لغيره ولا عليه.

7795 - وحكى بعض أصحابنا، عن المزني، أنه قال: بلغني أنهم كانوا يوصون بالبكاء عليهم أو بالنياحة أو بهما، وذلك معصية، ومن أمر بها فعملت بأمره كانت له ذنبا كما لو أمر بطاعة فعملت بعده كانت له طاعة، فكما يؤجر بما هو سبب له من الطاعة، فكذلك يجوز أن يعذب بما هو سبب له من المعصية، وبالله التوفيق.

[ ص: 350 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية