صفحة جزء
2352 - أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الكسائي، أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال، أنا أبو العباس الأصم.

ح وأنا أحمد بن عبد الله الصالحي، ومحمد بن أحمد العارف، قالا: أنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري، أنا أبو العباس الأصم، أنا الربيع، أنا الشافعي، أنا مسلم، وسعيد بن سالم، عن ابن جريج، قال: أخبرني أبو الزبير، أنه سمع عبد الرحمن بن أيمن، مولى عزة يسأل عبد الله بن عمر، وأبو الزبير يسمع، فقال: كيف ترى في رجل طلق امرأته حائضا؟ فقال ابن عمر: طلق عبد الله بن عمر امرأته حائضا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر: "مره فليراجعها، فإذا طهرت، فليطلق أو ليمسك".

قال ابن عمر، وقال الله عز وجل: يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن في قبل عدتهن، أو لقبل عدتهن.

الشافعي يشك.

هذا حديث صحيح، أخرجه مسلم، عن هارون بن عبد الله، عن حجاج [ ص: 204 ] بن محمد، عن ابن جريج، وقال: قال ابن عمر: وقرأ النبي صلى الله عليه وسلم: "يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن في قبل عدتهن".

قال الإمام رحمه الله : فيه دليل على أن الطلاق في حال الحيض بدعة ، وكذلك في الطهر الذي جامعها فيه ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " وإن شاء طلق قبل أن يمس" ، وفي أمره بمراجعتها دليل على أن الطلاق واقع مع كونه بدعيا ، ولولاه لم يحتج إلى المراجعة ، قال يونس بن جبير في هذا الحديث : قلت لابن عمر : فهل عد ذلك طلاقا ؟ ، قال : فمه أرأيت إن عجز واستحمق ؟ معناه : أرأيت إن عجز واستحمق ، أيسقط عنه الطلاق حمقه أو يبطله عجزه ؟ فهذا من باب محذوف الجواب المدلول عليه بالفحوى .

وروي أن عبد الله بن عمر ، كان إذا سئل عن ذلك ، قال لأحدهم : إن كنت طلقتها ثلاثا ، فقد حرمت عليك حتى تنكح زوجا غيرك ، ولو طلقت مرة أو مرتين ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمرني بهذا . [ ص: 205 ] .

وفيه دليل على أن من طلق زوجته المدخول بها في حال الحيض ، أو في طهر جامعها فيه ، وقد بقي من عدة طلاقها شيء ، أنه يؤمر بمراجعتها حتى يطلقها بعد إن شاء في طهر لم يجامعها فيه ، وهذه المراجعة استحباب ، وقال مالك : يجب عليه المراجعة ، وإذا طلقها في الحيض ، وراجعها جاز له أن يطلقها في الطهر الذي يعقب تلك الحيضة قبل المسيس ، كما رواه يونس بن جبير ، وأنس بن سيرين ، وغيرهما ، عن ابن عمر .

وأما ما رواه نافع ، عن ابن عمر عمر " ثم ليمسكها حتى تطهر ، ثم تحيض ثم تطهر" ، فاستحباب استحب تأخير الطلاق إلى الطهر الثاني حتى لا تكون مراجعته إياها للطلاق ، كما يكره النكاح للطلاق ، بل يمسها في الطهر الأول ليتحقق معنى المراجعة ، ثم لم يكن له الطلاق بعده ، لكونها في طهر جامعها فيه ، فيتأخر الطلاق إلى الطهر الثاني .

وفي قوله في رواية سالم : " ثم ليطلقها طاهرا أو حاملا" ، دليل على أنه لا بدعة في طلاق الحامل ، فإن طلقها في حال رؤية الدم ، أو بعد الجماع ، فجائز ، وكذلك لو طلق غير المدخول بها في حال الحيض ، أو طلق الآيسة ، أو الصغيرة التي لم تحض قط بعد ما جامعها ، لا يكون بدعيا ، إنما البدعة في طلاق امرأة يلزمها العدة بالأقراء ، فإن طلق هذه في حيض أو نفاس ، أو في طهر مسها فيه ، يكون بدعيا ، وإن طلقها في طهر لم يمسها فيه يكون سنيا .

ولو قال لها : أنت طالق للسنة ، فإن كانت في طهر لم يمسها فيه ، يقع الطلاق في الحال ، وإن كانت في حيض أو نفاس ، فلا يقع حتى تطهر ، فإذا طهرت ، طلقت سواء اغتسلت أو لم تغتسل ، وإن كانت في طهر جامعها فيه ، فلا يقع حتى تحيض ، ثم تطهر . [ ص: 206 ] .

ولو قال : أنت طالق للبدعة ، فإن كانت في حيض أو نفاس ، أو طهر جامعها فيه ، يقع في الحال ، وإن كانت في طهر لم يجامعها فيه ، لا يقع حتى يجامعها الزوج ، أو تحيض .

ولو قال لها : أنت طالق للسنة والبدعة ، أو لا للسنة ، ولا للبدعة ، يقع في الحال في أي حالة كانت ، فأما إذا قال لغير المدخول بها ، أو للصغيرة ، أو الآيسة ، أو للحامل : أنت طالق للسنة ، أو للبدعة ، أو لا للسنة والبدعة ، أو لا للسنة ولا للبدعة ، يقع في الحال ، لأنه لا سنة في طلاقهن ، ولا بدعة ، فيلغو ذكرها ، والطلاق بالعوض لا يكون بدعيا في أي حال كان .

وفي قوله صلى الله عليه وسلم : " فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء" .

دليل أن الأقراء التي أمر النساء أن يعتددن بها هي الأطهار دون الحيض ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم بين أن وقت الطلاق هو زمان الطهر ، ثم قال : " تلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء" ، أي فيها النساء ، وأراد به قوله سبحانه وتعالى : ( فطلقوهن لعدتهن ) ، أي : في وقت عدتهن ، وهذا قول زيد بن ثابت ، وعبد الله بن عمر ، وعائشة .

قالت عائشة : " هل تدرون ما الأقراء ؟ إنما الأقراء الأطهار" ، وهذا قول الفقهاء السبعة ، وسالم بن عبد الله ، والزهري ، وإليه ذهب مالك ، والشافعي .

وذهب جماعة إلى أن الأقراء هي الحيض ، يروى ذلك عن عمر ، وعلي ، وابن مسعود ، وابن عباس ، وهو قول الحسن البصري ، وبه قال الأوزاعي ، والثوري ، وأصحاب الرأي . [ ص: 207 ] .

وأصل هذا الاختلاف أن الله سبحانه وتعالى ، قال : ( والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ) ، والقروء : واحدها قرء ، ويجمع أقراء ، وهو من الأضداد يقع على الطهر والحيض جميعا ، والأصل في القرء : الوقت ، قال الشاعر :


كما هبت لقارئها الرياح



أي : لوقتها ، يقال : قد أقرأت المرأة : إذا دنا حيضها ، وأقرأت : إذا دنا طهرها .

واحتج من ذهب إلى أنها الحيض بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال لامرأة : " دعي الصلاة أيام أقرائك" ، وإنما تدع المرأة الصلاة أيام حيضها .

ومن قال : هي الأطهار يحتج من طريق اللغة بقول الشاعر : [ ص: 208 ]

مورثة عزا وفي الحي رفعة     لما ضاع فيه من قروء نسائكا



وأراد بها الأطهار .

وفائدة الخلاف تظهر في أن المعتدة إذا شرعت في الحيضة الثالثة تنقضي عدتها على قول من يجعلها أطهارا ، ويحسب بقية الطهر الذي وقع فيه الطلاق قرءا .

قالت عائشة : " إذا طعنت المطلقة في الدم من الحيضة الثالثة ، فقد برئت منه" .

وقال ابن عمر " إذا طلق الرجل امرأته ، فدخلت في الدم من الحيضة الثالثة ، فقد برئت منه ، وبرئ منها ، ولا ترثه ولا يرثها" .

ومن ذهب إلى أن الأقراء هي الحيض ، يقول : لا يحسب بقية الطهر الذي وقع فيه الطلاق قرءا ، ولا تنقضي عدتها ما لم تطهر من الحيضة الثالثة ، ومنهم من يقول : حتى تغتسل إن لم يبلغ دمها أكثر الحيض ، وهو قولأصحاب الرأي ، ويروى عن علي شرط الاغتسال .

واتفقوا على أن الطلاق إذا كان في حال الحيض أنه لا يحسب بقية الحيض قرءا . [ ص: 209 ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية