باب
الظهار.
قال الله تعالى: (
الذين يظاهرون منكم من نسائهم ) إلى قوله: (
وزورا ) ، أي: كذبا، سمي زورا، لأنه ميل عن الحق، ومنه قوله عز وجل: (
تزاور عن كهفهم ) ، أي: تميل.
وقال الله تعالى: (
والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ) .
[ ص: 241 ] .
2364 - أخبرنا
أبو عبد الله محمد بن الفضل الخرقي، أنا
أبو الحسن علي بن عبد الله الطيسفوني، أنا
عبد الله بن عمر الجوهري، نا
أحمد بن علي الكشميهني، نا
nindex.php?page=showalam&ids=16609علي بن حجر، نا
nindex.php?page=showalam&ids=12430إسماعيل بن جعفر، عن
محمد بن أبي حرملة، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16572عطاء بن يسار، أن nindex.php?page=showalam&ids=18888خولة بنت ثعلبة كانت تحت أوس بن الصامت، فتظاهر منها، وكان به لمم، فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: إن أوسا تظاهر مني، وذكرت أن به لمما، وقالت: والذي بعثك بالحق ما جئتك إلا رحمة له، إن له في منافع، فأنزل الله القرآن فيهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مريه فليعتق رقبة".
قالت: والذي بعثك بالحق ما عنده رقبة، ولا يملكها، قال: "مريه فليصم شهرين متتابعين"، قالت: والذي بعثك بالحق لو كلفته ثلاثة أيام ما استطاع.
قال: "مريه فليطعم ستين مسكينا"، قالت: والذي بعثك بالحق ما يقدر عليه.
قال: "مريه فليذهب إلى فلان بن فلان، فقد أخبرني أن عنده شطر تمر صدقة، فليأخذه صدقة عليه، ثم ليتصدق به على ستين مسكينا" [ ص: 242 ] قال
nindex.php?page=showalam&ids=14228أبو سليمان الخطابي : ليس معنى " اللمم" ها هنا : الخبل ، والجنون ، ولو كان به ذلك ، ثم ظاهر في تلك الحال ، لم يكن يلزمه شيء ، بل معنى " اللمم" ها هنا : الإلمام بالنساء ، وشدة الحرص ، والتوقان إليهن .
قال الإمام : هذا كما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16049سليمان بن يسار ، nindex.php?page=hadith&LINKID=673815عن سلمة بن صخر في حديث الظهار ، قال : كنت امرأ أصيب من النساء ما لا يصيب غيري ، فلما دخل شهر رمضان ، خفت أن أصيب من امرأتي شيئا ، فظاهرت منها حتى ينسلخ شهر رمضان ، فبينا هي تحدثني ذات ليلة ، إذ تكشف لي منها شيء ، فلم ألبث أن وقعت عليها ، فانطلقت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فأخبرته ، فذكر الحديث ، وفيه : " فأطعم وسقا من تمر بين ستين مسكينا" . [ ص: 243 ] .
قال الإمام : صورة الظهار أن يقول الرجل لامرأته : أنت علي كظهر أمي ، فإذا عاد ، يلزمه الكفارة ، ولا يجوز له أن يقربها ما لم يخرج الكفارة ، وهي عتق رقبة مؤمنة ، فإن لم يجد ، فصيام شهرين متتابعين ، فإن لم يستطع ، فإطعام ستين مسكينا .
واختلف أهل العلم في العود ، فذهب قوم إلى أن الكفارة تجب بنفس الظهار ، والمراد من العود : هو العود إلى ما كانوا عليه في الجاهلية من نفس الظهار ، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد ، nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري ، وقال قوم : هو إعادة لفظ الظهار وتكريره ، وقال قوم : هو الوطء ، وبه قال
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن ، nindex.php?page=showalam&ids=16248وطاوس ، nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري ، وقال قوم : هو العزم على الوطء ، وبه قال
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ، nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد ، وأصحاب الرأي ، وعند
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، العود : هو أن يمسكها عقب الظهار زمانا يمكنه أن يفارقها ، فلم يفعل ، فإن طلقها عقيب الظهار في الحال ، أو مات أحدهما في الوقت ، فلا كفارة ، لأن العود للقول هو المخالفة ، وقصده بالظهار التحريم ، فإذا أمسكها على النكاح ، فقد خالف قوله ، فيلزمه الكفارة ، وفي العربية لما قالوا أي : فيما قالوا ، وفي نقض ما قالوا .
[ ص: 244 ] .
ولو شبهها بعضو من أعضاء الأم سوى الظهر ، فقال : أنت علي كيد أمي ، أو كبطن أمي ، أو قال : يدك أو بطنك ، علي كظهر أمي ، أو كبطن أمي ، فهو ظهار على أصح قولي
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة : إن شببها ببطن الأم ، أو فرجها ، أو فخذها ، فهو ظهار كالظهر ، وإن شبهها بعضو آخر سواها ، فليس بظهار ، ولو قال : أنت علي كعين أمي ، أو كروح أمي ، فهو ظهار ، إلا أن يريد به الكرامة ، فلا يكون ظهارا ، ولو قال : كأمي ، أو مثل أمي ، فليس بظهار إلا أن يريد به الظهار .
ولو قال : أنت علي كظهر جدتي ، أو ابنتي ، أو أختي ، أو عمتي ، أو خالتي ، فظهار ، وكذلك إن شبهها بامرأة محرمة عليه بسبب الرضاع على أصح القولين ، فإن كانت محرمة بالصهرية ، فليس بالظهار على الأصح كالملاعنة .
قال الإمام : في حديث
سلمة بن صخر : " ظاهرت منها حتى ينسلخ شهر رمضان" .
ففيه دليل على أن الظهار المؤقت ظهار ، وهو قول أصحاب الرأي ، وأصح قولي
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي .
وذهب قوم إلى أنه لا يجب به شيء ، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ، والليث ، nindex.php?page=showalam&ids=12526وابن أبي ليلى .
ثم اختلف قول
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في أنه إذا ظاهر مؤقتا ، بأن ظاهر يوما ، أو شهرا ، أن التأقيت هل يسقط أم لا ؟ فقال في قول : يتأبد ، كما لو طلقها مدة
[ ص: 245 ] يتأبد ، والثاني : لا يتأبد ، حتى لو طلقها في الوقت ، ثم راجعها بعد مضي المدة ، فأمسكها ، ووطئها ، لا كفارة عليه .
قال الإمام : وفي حديث
أوس بن الصامت دليل على أن المظاهر إذا جامع قبل أن يكفر لا يجب عليه إلا كفارة واحدة ، وهو قول أكثر أهل العلم ، وبه قال
nindex.php?page=showalam&ids=16008سفيان ، ومالك ، nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ، nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد ، وإسحاق .
وقال بعضهم : إذا واقعها قبل أن يكفر ، فعليه كفارتان ، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=16349عبد الرحمن بن مهدي .
ولو ظاهر من أربع نسوة بكلمة واحدة ، فعليه أربع كفارات على أظهر قولي
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، كما لو طلقهن ، يقع على كل واحدة طلقة .
وقال في القديم : لا يجب إلا كفارة واحدة ، وهو قول
ربيعة ، ومالك ، ويروى ذلك عن
nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة بن الزبير ، ولو ظاهر من امرأة واحدة مرارا قبل أن يكفر ، فإن قالها منفصلة ، أو أراد بكل واحدة ظهارا آخر ، فعليه كفارات ، وإن قالها متتابعا ، وقال : أردت ظهارا واحدا ، فعليه كفارة واحدة ، وقال مالك : لا يجب إلا كفارة واحدة إلا أن يكفر عن الأول ، ثم يظاهر ثانيا ، فعليه كفارة أخرى .
ومن ظاهر من أمته ، فلا كفارة عليه ، كما لو طلقها لا يقع ، وعند
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك يلزمه الكفارة إذا أراد أن يمسها .
[ ص: 246 ] .