صفحة جزء
باب القائف .

قال الإمام : سمي القائف قائفا؛ لأنه يتبع الآثار ، ومنه قوله سبحانه وتعالى : ( ولا تقف ما ليس لك به علم ) ، أي : لا تتبع ، يقال : قفوته أقفوه ، وقفته ، أقوفه ، وقفيته : إذا اتبعت أثره .

2381 - أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أنا أحمد بن عبد الله [ ص: 284 ] النعيمي، أنا محمد بن يوسف، نا محمد بن إسماعيل، نا قتيبة بن سعيد، نا سفيان، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وهو مسرور، فقال: "أي عائشة، ألم تري أن مجززا المدلجي دخل علي"، فرأى أسامة، وزيدا، وعليهما قطيفة قد غطيا رؤوسهما، وبدت أقدامهما، فقال: "إن هذه الأقدام بعضها من بعض".

هذا حديث متفق على صحته، أخرجه مسلم، عن يحيى بن يحيى، ومحمد بن رمح، وقتيبة بن سعيد، عن ليث.

وقال ابن جريج ، عن الزهري : تبرق أسارير وجهه : وهي الخطوط التي في الجبهة ، واحدها : سرر وسر ، وجمعه أسرار وأسرة ، والأسارير : جمع الجمع .

قال الإمام : إذا ادعى رجلان أو أكثر نسب مولود مجهول النسب ، أو اشتركا في وطء امرأة ، فأتت بولد لمدة يمكن أن يكون لكل [ ص: 285 ] واحد منهما ، فتنازعاه ، يرى الولد القائف معهم ، فأيهم ألحقه القائف ، لحقه ، فإن أقام الآخر بينة ، كان الحكم للبينة ، وممن أثبت الحكم بالقافة عمر بن الخطاب ، وابن عباس ، وأنس بن مالك .

قال حميد : شك أنس في ابن له ، فدعا له القافة ، وهو قول عطاء ، وإليه ذهب مالك ، والأوزاعي ، والشافعي ، وأحمد ، وعامة أهل الحديث .

وذهب أصحاب الرأي إلى أنه لا حكم لقول القائف ، بل إذا ادعى جماعة من الرجال نسب مولود يلحق بهم جميعا ، وقال أبو يوسف : يلحق برجلين وبثلاثة ، ولا يلحق بأكثر ، ولا يلحق بامرأتين ، وقال أبو حنيفة : يلحق بامرأتين .

والحديث حجة لمن حكم بقول القائف ، وذلك أن الناس كانوا قد ارتابوا في نسب أسامة من زيد ، إذ كان زيد أبيض اللون ، وجاء أسامة أسود اللون ، قال أبو داود : سمعت أحمد بن صالح يقول : كان أسامة أسود شديد السواد مثل القار ، وكان زيد أبيض مثل القطن ، وكان المنافقون يتكلمون فيهما بما يسوء النبي صلى الله عليه وسلم سماعه ، فلما سمع قول مجزز فيهما ، فرح به ، وسري عنه ، ولو لم يكن ذلك حقا ، لكان لا يظهر عليه السرور ، بل كان ينكر عليه ، ويمنعه عنه ، ويقول له : لا تقل هذا ، لأنك إن أصبت في شيء ، لم آمن عليك أن تخطئ في غيره ، فيكون في خطئك قذف محصنة ، ونفي نسب .

وإذا ادعاه رجلان ، فألحقه القائف بهما ، أو لم يكن قائف ، فإن كان الولد كبيرا ، قيل له : انتسب إلى أيهما شئت ، وإن كان صغيرا ، فيوقف حتى يبلغ فينتسب .

روي أن رجلين تداعيا ولدا ، فدعا له عمر القافة ، فقالوا : قد اشتركا فيه ، فقال له عمر : وال أيهما شئت ، [ ص: 286 ] وهذا قول الشافعي ، فإن انتسب إلى أحدهما ، ثم وجد القائف ، فألحقه بالثاني ، كان الحكم لقول القائف ، وقال أبو ثور : إذا قال القائف : هو ابنهما .

يلحق بهما يرث منهما ويرثانه .

وقد روي عن زيد بن أرقم ، قال : كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فجاء رجل من اليمن ، فقال : إن ثلاثة نفر من أهل اليمن أتوا عليا يختصمون في ولد ، وقد وقعوا على امرأة في طهر واحد ، فقال : إني مقرع بينكم ، فمن قرع ، فله الولد ، وعليه لصاحبيه ثلثا الدية ، فأقرع بينهم ، فجعله لمن قرع ، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم .

فذهب إسحاق بن راهويه إلى ظاهر هذا الحديث ، وقال بالقرعة ، وقال : هو السنة في دعوى الولد ، وكان الشافعي يقول به في القديم ، وقيل لأحمد بن حنبل في حديث زيد بن أرقم ، فقال : حديث القافة أحب إلي ، وقد تكلم بعضهم في إسناد حديث زيد بن أرقم . [ ص: 287 ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية