صفحة جزء
3259 - أخبرنا أبو حامد أحمد بن عبد الله الصالحي، أنا أبو الحسين علي بن محمد بن عبد الله بن بشران السكري، أنا أبو علي إسماعيل بن محمد بن إسماعيل الصفار، نا أبو بكر أحمد بن منصور بن سيار الرمادي، حدثنا عبد الرزاق، أنا معمر، عن الزهري، عن يحيى بن أبي كثير، عن هلال بن أبي ميمونة، عن عطاء بن يسار، نا معاوية بن الحكم، قال: " قلت يا رسول الله: منا رجال يتطيرون؟ قال: ذلك شيء تجدونه في أنفسكم، فلا يصدنكم، قال: قلت: ومنا رجال يأتون الكهان؟ قال: فلا تأتوهم، قال: قلت: ومنا رجال يخطون؟ قال: خط نبي، فمن وافق علمه علم ".

هذا حديث صحيح، أخرجه مسلم، عن عبد حميد، عن عبد الرزاق.

قوله في الطيرة: "ذلك شيء تجدونه في أنفسكم" يريد أن ذلك شيء يوجد في النفوس من البشرية، وما يعتري الإنسان من قبل الظنون من غير أن يكون له تأثير من جهة الطباع، أو يكون فيه ضرر.

قال الإمام: وفعل الكهانة باطل، روي عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "من أتى كاهنا، فصدقه بما يقول، فقد برئ مما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم". [ ص: 182 ] .

وقال قتادة: عن ابن مسعود، "من أتى كاهنا فسأله وصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم".

وروى ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "من أتى عرافا فسأله عن شيء، لم تقبل له صلاة أربعين ليلة".

فالكاهن: هو الذي يخبر عن الكوائن في مستقبل الزمان، ويدعي معرفة الأسرار، ومطالعة علم الغيب، وكان في العرب كهنة يدعون معرفة الأمور، فمنهم من كان يزعم أن له رئيسا من الجن، وتابعة تلقي إليه الأخبار، ومنهم من كان يدعي أنه يستدرك الأمور بفهم أعطيه.

والعراف هو الذي يدعي معرفة الأمور بمقدمات أسباب يستدل بها على مواقعها، كالمسروق من الذي سرقها، ومعرفة مكان الضالة، وتتهم المرأة بالزنى، فيقول: من صاحبها؟ ونحو ذلك من الأمور.

ومنهم من يسمي المنجم كاهنا.

وقد روي عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "من اقتبس علما من النجوم، اقتبس شعبة من السحر". [ ص: 183 ] .

قال الإمام: والمنهي من علم النجوم ما يدعيه أهلها من معرفة الحوادث التي لم تقع في مستقبل الزمان، مثل إخبارهم بوقت هبوب الرياح، ومجيء المطر، ووقوع الثلج، وظهور الحر والبرد، وتغير الأسعار ونحوها، يزعمون أنهم يستدركون معرفتها بسير الكواكب، واجتماعها وافتراقها، وهذا علم استأثر الله عز وجل به لا يعلمه أحد غيره، كما قال الله سبحانه وتعالى: ( إن الله عنده علم الساعة ) ، فأما ما يدرك من طريق المشاهدة من علم النجوم الذي يعرف به الزوال، وجهة القبلة، فإنه غير داخل فيما نهي عنه.

قال الله سبحانه وتعالى: ( وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر ) ، وقال جل ذكره: ( وعلامات وبالنجم هم يهتدون ) ، فأخبر الله سبحانه وتعالى أن النجوم طرق لمعرفة الأوقات والمسالك، ولولاها لم يهتد النائي عن الكعبة إلى استقبالها، روي عن عمر رضي الله عنه، أنه قال: "تعلموا من النجوم ما تعرفون به القبلة والطريق، ثم أمسكوا".

وروي عن طاوس، عن ابن عباس، في قوم يكتبون أباجاد، وينظرون في النجوم، قال: ما أرى من فعل ذلك له عند الله من خلاق.

قوله: "ومنا رجال يخطون" قال ابن عباس : هو الخط الذي يخطه الحازي، وهو علم قد تركه الناس، قال: يأتي صاحب الحاجة إلى الحازي، فيعطيه حلوانا، فيقول له: اقعد حتى أخط لك، وبين [ ص: 184 ] يدي الحازي غلام معه ميل، فيأمره الحازي أن يخط خطوطا كثيرة على رمل، أو تراب في خفة وعجلة لئلا يلحقها العدد والإحصاء، ثم يأمره، فيمحوها خطين خطين على مهل، وهو يقول: ابني عيان أسرعا البيان.

ثم ينظر إلى آخر ما يبقى منها، فإن بقي منها خطان، فهو علامة النجاح، وإن بقي خط واحد، فهو دليل الخيبة والحرمان.

وقوله: "فمن وافق علمه علم"، ويروى "فمن وافق خطه فذاك"، قال الخطابي: فقد يحتمل أن يكون معناه: الزجر عنه، إذ كان من بعده لا يوافق خطه، ولا ينال حظه من الصواب، لأن ذلك إنما كان آية لذلك النبي، وعلما لنبوته، فليس لمن بعده أن يتعاطاه طمعا في نيله، والله أعلم.

روي عن طاوس، قال: سمعت ابن عباس، يقول: إن قوما يحسبون بأبي جاد، وينظرون في النجوم، وما أرى لمن فعل ذلك من خلاق.

التالي السابق


الخدمات العلمية