صفحة جزء
باب الكتاب إلى الكفار .

قال الله سبحانه وتعالى : ( قالت يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم ) ، قيل في قوله : ( كريم ) ، أي مختوم ، وقيل : حسن ما فيه ، وقيل : جعله كريما لكرم صاحبه ، وقيل : لابتدائه ببسم الله الرحمن الرحيم .

3316 - أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أنا محمد بن يوسف، نا محمد بن إسماعيل، نا أبو اليمان الحكم بن نافع، أنا شعيب، عن الزهري، أنا عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، أن عبد الله بن عباس، أخبره أن أبا سفيان بن حرب، أخبره " أن هرقل أرسل إليه في ركب من قريش، وكانوا تجارا بالشام في المدة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ماد فيها أبا سفيان وكفار قريش، فأتوه وهم بإيلياء، فدعاهم في مجلسه، وحوله عظماء الروم، ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بعث به دحية إلى عظيم بصرى، فدفعه إلى هرقل، فقرأه فإذا فيه: ( بسم الله الرحمن الرحيم: ) من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم: سلام على من اتبع الهدى، أما بعد، فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، يؤتك الله [ ص: 277 ] أجرك مرتين، فإن توليت، فإن عليك إثم اليريسيين ( يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون ) ".

هذا حديث متفق على صحته، أخرجه محمد، عن عبد الله بن محمد، وأخرجه مسلم، عن إسحاق الحنظلي، ومحمد بن رافع، وغيرهما، كل عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري.

قوله : " ماد فيها " أي جعل الحرب فيها معهم إلى مدة .

قوله : " إلى عظيم الروم " أي : من يعظمه الروم أخذ بأدب الله في تليين [ ص: 278 ] القول لمن يبتدئه بالدعوة إلى دين الحق .

قال الخطابي : ولم يكتب ملك الروم فيكون ذلك مقتضيا لتسليم الملك إليه ، وهو بحكم الدين معزول عنه .

وقوله : " أدعوك بدعاية الإسلام " ، أي : بدعوى الإسلام ، من دعا يدعو دعاية ودعوى ، مثل شكا يشكو شكاية وشكوى .

وقوله : " إثم اليريسيين " فالياء فيها بدل عن الهمزة ، ويروى " إثم الأريسيين " ، الأريس الأكار ، قال ابن الأعرابي : أرس يأرس أرسا : إذا صار أريسيا وهو واحد الأريسيين بتخفيف الياء ، ومن شدد الياء قال : واحدها أريسي منسوب إلى الأريس وهو الأكار ، وهو الأريس أيضا ، وجمعه أريسون وأرارسة ، ومعناه أنك إن لم تسلم ودمت على دينك ، كان عليك إثم الزراعين والأجراء الذين هم خول وأتباع .

وفي الحديث دليل على جواز الكتاب إلى الكفار ، وأن نكتب إليهم آية أو آيتين من القرآن مما تقع به الدعوة ، ولا يدخل ذلك تحت النهي عن المسافرة بالقرآن إلى أرض العدو ، بل النهي راجع إلى حمل المصحف إليهم ، وفيه تقديم اسم الكاتب على اسم المكتوب إليه .

وقال معمر : عن أيوب ، قرأت كتابا من العلاء بن الحضرمي إلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وقال أيوب : عن نافع ، أو غيره ، قال : كان عمال عمر رضي الله عنه إذا كتبوا إليه ، بدؤوا بأنفسهم ، قال : ووجد زياد كتابا من النعمان بن مقرن إلى عبد الله عمر أمير المؤمنين ، وقال زياد : ما كان هؤلاء إلا أعرابا .

قال معمر : وكان أيوب ربما بدأ باسم الرجل قبله إذا كتب إليه ، وكان ذلك الرجل عريفا . [ ص: 279 ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية