صفحة جزء
3434 - أخبرنا أبو علي حسان بن سعيد المنيعي ، أنا أبو طاهر الزيادي ، أنا أبو بكر محمد بن الحسين القطان ، نا أحمد بن يوسف السلمي ، نا عبد الرزاق ، أنا معمر ، عن همام، عن أبي هريرة ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر مثله، وقال: "إياكم والظن"، ذكره ثلاثا، قال: "ولا تناجشوا"، بدل قوله: "ولا تجسسوا".

هذا حديث متفق على صحته، أخرجه محمد، عن عبد الله بن يوسف، وأخرجه مسلم، عن يحيى بن يحيى، كلاهما عن مالك.

وزاد: "ولا تحسسوا ولا تجسسوا".

قوله: " إياكم والظن "، أراد به سوء الظن، وتحقيقه دون مبادي الظنون التي لا تملك.

لأنه سبحانه وتعالى قال: ( إن بعض الظن إثم ) ، ولم يجعل كله إثما.

وحكي عن سفيان الثوري ، أنه قال: الظن ظنان: ظن إثم، وظن ليس بإثم، فأما الذي هو إثم، فالذي يظن ظنا، ويتكلم به.

والذي ليس بإثم، فالذي يظن، ولا يتكلم به. [ ص: 111 ] .

قلت: فأما استعمال سوء الظن إذا كان على وجه الحذر وطلب السلامة من شر الناس، فلا يأثم به الرجل، فإن النبي صلى الله عليه وسلم، قال لعمرو بن الفغواء الخزاعي: " التمس صاحبا "، وأراد أن يبعث بمال إلى أبي سفيان يقسمه في قريش بمكة بعد الفتح، فجاء إليه عمرو بن أمية الضمري، وقال: " أنا لك صاحب "، قال: فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إذا هبطت بلاط قومه، فاحذره، فإنه قد قال القائل: " أخوك البكري ولا تأمنه "، وذلك مثل شهير للعرب في الحذر.

وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أنه قال: " احتجزوا من الناس بسوء الظن، ولا تثقوا بكل أحد، فإنه أسلم لكم ".

وقال سلمان: " إني لأعد هراق القدر على خادمي مخافة الظن ".

قال أبو خلدة: " كنا نؤمر بالختم على الخادم والكيل والعدد، خشية أن يصيب أحدنا إثما في الظن، أو يتعود الخادم خلق سوء ".

وقال عبد الله بن مسعود: " ما يزال الذي يسرق يسيء الظن حتى يكون أعظم إثما من السارق ".

والتجسس بالجيم: البحث عن عيوب الناس، والتحسس بالحاء: طلب الخير، ومنه قوله سبحانه وتعالى: ( يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ) ، فالتجسس في الشر، وبالحاء في الخير. [ ص: 112 ] .

قلت: نهى صلى الله عليه وسلم عن تتبع أخبار الناس لئلا يقع في حسده إن كان خيرا، ولا يظهر على عورته إن كان شرا.

وقيل: التحسس بالحاء: أن يطلبه لنفسه، والتجسس بالجيم: أن يطلبه لغيره، ومنه الجاسوس.

وقيل: التجسس، بالجيم: البحث عن العورات، والتحسس: الاستماع لحديث القوم، وأصله من الحس.

لأنه يتتبعه بحسه، وقيل: هما سواء، وقرأ الحسن " ولا تحسسوا " بالحاء.

التالي السابق


الخدمات العلمية