صفحة جزء
3612 - أخبرنا أبو محمد عبد الله بن عبد الصمد الجوزجاني ، أنا أبو القاسم علي بن أحمد الخزاعي ، أنا أبو سعيد الهيثم بن كليب الشاشي، نا أبو عيسى الترمذي ، نا محمد بن إسماعيل ، نا آدم بن إياس، نا شيبان أبو معاوية، نا عبد الملك بن عمير، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، [ ص: 189 ] عن أبي هريرة ، قال: " خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في ساعة لا يخرج فيها، ولا يلقاه فيها أحد، فأتاه أبو بكر، فقال: ما جاء بك يا أبا بكر؟ فقال: خرجت ألقى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنظر إلى وجهه، والتسليم عليه، فلم يلبث أن جاء عمر، فقال: ما جاء بك يا عمر؟ قال: الجوع يا رسول الله، قال النبي صلى الله عليه وسلم: وأنا قد وجدت بعض ذلك، فانطلقوا إلى منزل أبي الهيثم بن التيهان الأنصاري، وكان رجلا كثير النخل والشاء، ولم يكن له خدم، فلم يجدوه، فقالوا لامرأته: أين صاحبك؟ فقالت: انطلق يستعذب لنا الماء، فلم يلبثوا أن جاء أبو الهيثم بقربة يزعبها، فوضعها، ثم جاء يلتزم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويفديه بأبيه وأمه، ثم انطلق بهم إلى حديقته، فبسط لهم بساطا، ثم انطلق إلى نخلة، فجاء بقنو، فوضعه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أفلا تنقيت لنا من رطبه؟ فقال: يا رسول الله، إني أردت أن تخبروا أو تخيروا من رطبه وبسره، فأكلوا وشربوا من ذلك الماء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هذا والذي نفسي في يده النعيم الذي تسألون عنه يوم القيامة: ظل بارد، ورطب طيب، وماء [ ص: 190 ] بارد، فانطلق أبو الهيثم ليصنع لهم طعاما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تذبحن ذات در، فذبح لهم عناقا أو جديا، فأتاهم بها، فأكلوا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هل لك خادم؟ قال: لا، قال صلى الله عليه وسلم: فإذا أتانا سبي فأتنا، فأتي النبي صلى الله عليه وسلم برأسين ليس معهما ثالث، فأتاه أبو الهيثم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اختر منهما، فقال: يا نبي الله، اختر لي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن المستشار مؤتمن، خذ هذا، فإني رأيته يصلي، واستوص به معروفا، فانطلق أبو الهيثم إلى امرأته، فأخبرها بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه، فقالت امرأته: ما أنت ببالغ ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن تعتقه، قال: فهو عتيق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله تبارك وتعالى لم يبعث نبيا ولا خليفة إلا وله بطانتان: بطانة تأمره بالمعروف، وتنهاه عن المنكر، وبطانة لا تألوه خبالا، ومن يوق بطانة السوء، فقد وقي ". [ ص: 191 ] .

قال أبو عيسى: هذا حديث صحيح، وقد روى غير واحد، عن شيبان بن عبد الرحمن النحوي، وشيبان صاحب كتاب، وهو صحيح الحديث، قال سفيان بن عيينة : قال عبد الملك بن عمير: إني لأحدث بالحديث، فما أدع منه حرفا.

والقنو: العذق، وهو الكباسة، وتثنيته وجمعه: قنوان، ومثله صنو وصنوان للجذوع التي أصلها واحد، قال الله سبحانه وتعالى: ( ومن النخل من طلعها قنوان دانية ) ، والبطانة: الأولياء والأصفياء.

قوله: " لا يألوه خبالا "، أي: لا يقصر ولا يترك جهده فيما يورثه الشر والفساد، قال الله سبحانه وتعالى: ( لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ) .

والخبال: الشر والفساد، قال الله عز وجل: ( لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ) .

وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لا تصحب الفاجر، فيحملك على الفجور، ولا تفش إليه سرك، وشاور في أمرك الذين يخشون الله.

وقال عبد الله بن مسعود: قولوا خيرا تعرفوا به، واعملوا به تكونوا من أهله، ولا تكونوا عجلاء مذاييع بذرا.

المذاييع والبذر واحد: هم الذين يفشون لما يسمعون من السر، يقال: أذاع السر، إذا أفشاه، قال الله عز وجل: ( أذاعوا به ) ، والبذر من قولهم: بذرت الكلام بين الناس كما يبذر الحبوب، واحدها بذور.

وروي عن جابر، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " إذا حدث الرجل حديثا [ ص: 192 ] فالتفت، فهو أمانة ".

وفي بعض الأحاديث " المجالس أمانة، وإفشاؤها خيانة ".

وقال مكحول: إذا حدثك الرجل بحديث، ثم التفت هل يسمعه أحد، فقد لزمك كتمانه. [ ص: 193 ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية