صفحة جزء
3735 - أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف، نا محمد بن إسماعيل ، نا يحيى بن بكير، نا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب ، عن عروة بن الزبير، عن عائشة أم المؤمنين، أنها قالت: " أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، وكان [ ص: 317 ] لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء، فيتحنث فيه، وهو تعبد الليالي ذوات عدد، قبل أن ينزع إلى أهله، ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة، فيتزود لمثلها حتى جاءه الحق، وهو في غار حراء، فجاءه الملك، فقال: اقرأ، قال: ما أنا بقارئ، قال: فأخذني، فغطني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني، فقال: اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ، فأخذني، فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني، فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني، فغطني الثالثة، ثم أرسلني، فقال: ( اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم ) .

فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد، فقال: زملوني زملوني، فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة وأخبرها الخبر: لقد خشيت على نفسي، فقالت خديجة: كلا والله ما يخزيك الله أبدا إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق، فانطلقت به خديجة [ ص: 318 ] حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى، ابن عم خديجة، وكان امرأ تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العربي، فيكتب من الإنجيل بالعربية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخا كبيرا قد عمي، فقالت له خديجة: يابن عم، اسمع من ابن أخيك، فقال له ورقة: يابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى، فقال له ورقة: هذا الناموس الذي نزل الله على موسى، يا ليتني فيها جذعا، ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أومخرجي هم؟ قال: نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا، ثم لم ينشب ورقة أن توفي، وفتر الوحي "
هذا حديث متفق على صحته، وأخرجه مسلم، عن عبد الملك بن شعيب بن الليث، عن أبيه، عن جده. [ ص: 319 ] .

وفلق الصبح وفرق الصبح: ضوءه إذا انفلق، ومنه قوله سبحانه وتعالى: ( قل أعوذ برب الفلق ) ، وحراء: جبل بمكة، وهي مكسورة الحاء مفتوحة الراء ممدودة.

وقولها: يتحنث فيه، أي: يتعبد، والتحنث: التعبد سمي به، لأنه يلقي به الحنث والذنب عن نفسه، ومثله التحوب والتحرج والتأثم لإلقاء الحوب والحرج والإثم عن نفسه.

والغط: الضغط الشديد، ومنه الغط في الماء، ويروى: فغتني، ومعناه: الغط أيضا.

يرجف فؤاده: أي: يخفق، والرجفة: شدة الحركة.

وقوله: " زملوني "، أي: دثروني، وتزمل الرجل بالثوب: اشتمل به، وقولها: وتحمل الكل، أي: المنقطع، تريد: أنك تعين الضعيف، والكل: الذي لا يغني نفسه، ومنه قيل للعيال: كل، قال الله تعالى: ( وهو كل على مولاه ) ، أي: ثقل على وليه.

وتكسب المعدوم، وفي بعض الروايات وتكسب المعدم، وهو الأصوب.

لأن المعدوم لا يدخل تحت الأفعال، أي: تعطي العائل، يقال: كسبت الرجل مالا وأكسبته، أي: أعطيته، وبحذف الألف أفصح.

والناموس: صاحب سر الرجل الذي يطلعه على باطن أمره، ويخصه بما يستره عن غيره، يقال: نمس الرجل ينمس نمسا، وقد نامسته منامسة: إذا ساررته، فالناموس: صاحب سر الخير، والجاسوس: صاحب سر الشر. [ ص: 320 ] .

وقوله: يا ليتني فيها جذعا، أي: شابا، والأصل في الجذع سن الدواب، وفي حديث علي أسلمت، وأنا جذعمة، أراد: وأنا جذع، أي: حدث في السن، فزاد في آخرها ميما توكيدا.

ونصب جذعا، لأن معناه: ليتني كنت جذعا.

والثابت في قوله " فيها " لإضمار النبوة، أو الدعوة، أو الدولة، يقول: يا ليتني كنت شابا وقت دعوتك ونبوتك أنصرك نصرا مؤزرا، أي: بالغا.

وآزر فلان فلانا، أي: عاونه على أمره، وقوله سبحانه وتعالى: ( فآزره ) ، أي: قواه، والأزر: القوة، وقوله: ( اشدد به أزري ) ، أي: قو به ظهري.

التالي السابق


الخدمات العلمية