صفحة جزء
39 - قال الشيخ الحسين بن مسعود، رحمه الله: أخبرنا محمد بن عبد الله بن أبي توبة، أنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن الحارث، أنا محمد بن يعقوب الكسائي، أنا عبد الله بن محمود، أنا إبراهيم بن عبد الله الخلال، نا عبد الله بن المبارك، عن عبد الرحمن بن شريح المعافري، قال: حدثني شراحيل بن يزيد، عن محمد بن هدية، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أكثر منافقي أمتي قراؤها" [ ص: 76 ] قال سفيان الثوري : ما شبهت القارئ إلا بالدرهم الزيف إذا كسرته خرج ما فيه.

قال أبو سليمان الخطابي على قوله: "آية المنافق ثلاث": هذا القول إنما خرج على سبيل الإنذار للمرء المسلم، والتحذير له أن يعتاد هذه الخصال، فتفضي به إلى النفاق، لا أن من بدرت منه هذه الخصال، أو فعل شيئا من ذلك من غير اعتياد أنه منافق.

وروي عن الحسن أنه ذكر له هذا الحديث، فقال: إن بني يعقوب حدثوا فكذبوا، ووعدوا فأخلفوا، واؤتمنوا فخانوا.

والنفاق ضربان: أحدهما: أن يظهر صاحبه الإيمان وهو مسر للكفر كالمنافقين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، والثاني: ترك المحافظة على حدود أمور الدين سرا، ومراعاتها علنا، فهذا يسمى منافقا، ولكنه نفاق دون نفاق، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر"، وإنما هو كفر دون كفر.

وأما بنو يعقوب، فكان ذلك الفعل منهم نادرا، ولم يصروا عليه، [ ص: 77 ] بل تابوا وتحللوا ممن جنوا عليه، وسألوا أباهم أن يستغفر لهم، فلم تتمكن منهم صفة النفاق.

وقوله: "أكثر منافقي أمتي قراؤها".

فهو أن يعتاد ترك الإخلاص في العمل، كما جاء: "التاجر فاجر"، وأراد: إذا اعتاد التاجر الكذب في البيع والشراء، لا أن نفس التجارة فجور، بل هي أمر مأذون فيه، مباح في الشرع. [ ص: 78 ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية