صفحة جزء
4143 - أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة الكشميهني ، أنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن الحارث ، أنا أبو الحسن محمد بن يعقوب الكسائي ، أنا عبد الله بن محمود ، أنا إبراهيم بن عبد الله الخلال ، نا عبد الله بن المبارك ، عن حيوة بن شريح ، أخبرني الوليد بن أبي الوليد أبو عثمان المدائني، أن عقبة بن مسلم حدثه، أن شفي الأصبحي حدثه، أنه دخل المدينة فإذا هو برجل قد اجتمع عليه الناس، فقال: من هذا؟ فقالوا: أبو هريرة ، فدنوت منه حتى قعدت بين يديه، وهو يحدث [ ص: 332 ] الناس، فلما سكت وخلا قلت له: نشدتك بحق وبحق لما حدثتني حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم عقلته وعلمته، فقال أبو هريرة : أفعل لأحدثنك حديثا حدثنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عقلته وعلمته، ثم نشغ أبو هريرة نشغة فمكث قليلا ثم أفاق، فقال: لأحدثنك حديثا حدثنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا البيت، ما معنا أحد غيري وغيره، ثم نشغ أبو هريرة نشغة أخرى فمكث كذلك، ثم أفاق ومسح وجهه، فقال: أفعل لأحدثنك حديثا حدثنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وهو في هذا البيت، ما معنا أحد غيري وغيره، ثم نشغ أبو هريرة نشغة شديدة، ثم مال خارا على وجهه، وأسندته طويلا، ثم أفاق فقال: حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أن الله تبارك وتعالى إذا كان يوم القيامة ينزل إلى العباد ليقضي بينهم وكل أمة جاثية، فأول من يدعو به رجل جمع القرآن، ورجل يقتل في سبيل الله، ورجل كثير المال، فيقول الله للقارئ: ألم أعلمك ما أنزلت على رسولي؟ قال: بلى يا رب، قال: فماذا عملت فيما علمت؟ قال: كنت أقوم به آناء الليل، وآناء النهار، فيقول الله له: كذبت، [ ص: 333 ] وتقول له الملائكة: كذبت، ويقول الله: بل أردت أن يقال: فلان قارئ، فقد قيل ذلك، ويؤتى بصاحب المال، فيقول الله له: ألم أوسع عليك حتى لم أدعك تحتاج إلى أحد؟ قال: بلى يا رب، قال: فما عملت فيما آتيتك؟ قال: كنت أصل الرحم وأتصدق، فيقول الله له: كذبت، وتقول الملائكة له: كذبت، ويقول الله: بل أردت، أن يقال: فلان جواد، فقد قيل ذلك، ويؤتى بالذي قتل في سبيل الله فيقول له في ماذا قتلت؟ فيقول: يا رب، أمرت بالجهاد في سبيل الله، فقاتلت حتى قتلت، فيقول الله له: كذبت، وتقول له الملائكة: كذبت، ويقول الله: بل أردت أن يقال: فلان جريء، فقد قيل ذلك "، ثم ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ركبتي، فقال: "يا أبا هريرة ، أولئك الثلاثة أول خلق تسعر بهم النار يوم القيامة " ، قال الوليد أبو عثمان : فأخبرني عقبة ، أن شفيا هو الذي دخل على معاوية فأخبره بهذا، فقال أبو عثمان : وحدثني العلاء بن أبي حكيم ، أنه كان سيافا لمعاوية، قال: فدخل عليه رجل، فحدثه بهذا الحديث، عن أبي هريرة ، فقال [ ص: 334 ] معاوية : قد فعل بهؤلاء هذا، فكيف بمن بقي من الناس، ثم بكى معاوية بكاء شديدا حتى ظننا أنه هالك، فقلنا له: قد جاءنا هذا الرجل بشر، ثم أفاق معاوية ومسح عن وجهه، وقال: صدق الله ورسوله، ( من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون ) .

قال أبو عيسى : هذا حديث حسن غريب.

قلت: وقد أخرجه مسلم من غير هذا الطريق، عن أبي هريرة .

قوله: نشغ، النشغ: الشهيق حتى يكاد يبلغ به الغشي، يقال: نشغ ينشغ نشغا، وإنما يفعله الإنسان شوقا إلى صاحبه وأسفا عليه.

التالي السابق


الخدمات العلمية