صفحة جزء
749 - أخبرنا أبو الحسن الشيرزي ، أنا أبو علي زاهر بن أحمد ، أنا أبو إسحاق الهاشمي، أنا أبو مصعب، عن مالك بن أنس ، عن أبي حازم بن دينار، عن سهل بن سعد الساعدي ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم، وحانت الصلاة، فجاء بلال إلى أبي بكر الصديق، فقال: أتصلي للناس فأقيم؟ فقال: نعم، فصلى أبو بكر ، قال: فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس في الصلاة، فتخلص حتى وقف في الصف، فصفق الناس، وكان أبو بكر لا يلتفت في صلاته، فلما أكثر الناس التصفيق، التفت أبو بكر ، فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن اثبت مكانك، فرفع أبو بكر يديه، فحمد الله على ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك، ثم استأخر أبو بكر حتى استوى في الصف، وتقدم النبي صلى الله عليه وسلم فصلى، فلما انصرف قال: "يا أبا بكر ، ما منعك أن تثبت إذ أمرتك؟" فقال أبو بكر : ما كان لابن أبي قحافة أن يصلي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما لي رأيتكم أكثرتم التصفيق؟ [ ص: 273 ] .

من نابه شيء في صلاته، فليسبح، فإنه إذا سبح التفت إليه، وإنما التصفيق للنساء".


هذا حديث متفق على صحته، أخرجه محمد، عن عبد الله بن يوسف، وأخرجه مسلم، عن يحيى بن يحيى ، كلاهما عن مالك.

في هذا الحديث فوائد.

منها تعجيل الصلاة في أول الوقت، لأنهم لم يؤخروها بعد دخول وقتها لانتظار النبي صلى الله عليه وسلم، ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك عليهم.

ومنها أن الالتفات في الصلاة لا يفسد الصلاة ما لم يتحول عن القبلة بجميع بدنه.

ومنها أن العمل اليسير لا يبطل الصلاة، فإنهم أكثروا التصفيق، ولم يؤمروا بالإعادة.

ومنها أن تقدم المصلي، أو تأخره عن مكان صلاته لا يفسد الصلاة إذا لم يطل. [ ص: 274 ] .

ومنها أن التصفيق سنة النساء في الصلاة إذا ناب واحدة منهن شيء في الصلاة، وهو أن تضرب بظهور أصابع اليمنى صفح الكف اليسرى، قال عيسى بن أيوب : تضرب بإصبعين من يمينها على كفها اليسرى.

قلت: ولا تصفق بالكفين، لأنه يشبه اللهو، ويروى: "التصفيح للنساء" وهو التصفيق باليد من صفحتي الكف.

ومنها أن الرجل يسبح إذا نابه شيء، وقال علي: كنت إذا استأذنت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي سبح.

ومنها أن للمأموم أن يسبح لإعلام الإمام، فإنهم كانوا يصفقون لإعلام الإمام، فأمروا بالتسبيح.

ومنها أن من حدثت له نعمة، وهو في الصلاة له أن يحمد الله، ويباح له رفع اليدين فيها، فإن أبا بكر فعلهما، ولم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم. [ ص: 275 ] .

ومنها جواز أن يكون في بعض صلاته إماما، وفي بعضها مأموما، وأن من شرع في الصلاة منفردا، جاز له أن يصل صلاته بصلاة الإمام، ويأتم به، فإن الصديق ائتم بالنبي صلى الله عليه وسلم في خلال الصلاة.

ومنها جواز الصلاة بإمامين، أحدهما بعد الآخر، فإن القوم كانوا مقتدين بأبي بكر ، ثم ائتموا بالنبي صلى الله عليه وسلم.

وقوله لأبي بكر: "اثبت مكانك" أمر تقديم وإكرام، لا أمر إيجاب وإلزام، ولولا ذلك لم يخالفه أبو بكر . [ ص: 276 ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية